مرأة ومنوعات

“إنها ليست صوصًا فرنسيًا ولا مجرد طبقة تلميع… إنها المرق!

كيف أصبح هذا السائل البني البسيط نجمة المطبخ البريطاني الجديد

حين يُقال “مرق”، يتبادر إلى الذهن مشهد غداء الأحد في بيت الجدة البريطانية: صينية اللحم، بطاطس مشوية، وصوت انسكاب السائل البني فوق كل شيء. لعقود، كان المرق يُنظر إليه كعنصر مكمل، لا بطل رئيسي. غير أن التحولات الثقافية في مشهد الطهي البريطاني، التي تمزج بين النوستالجيا والجرأة الطهوية، منحت المرق فرصة جديدة ليصعد إلى القمة — ليس فقط كوسيلة لترطيب اللحم، بل كأداة تضخيم للنكهة وتحويل للهوية.

من ذكريات الجدة إلى قوائم الطعام الراقية

دخل المرق قوائم المطاعم العصرية من أوسع أبوابها: مطعم “Burger & Beyond” يقدمه كغموس فاخر للبرغر، فيما يقدمه مطعم “Nessa” في سوهو مع خبز البريوش والنقانق السوداء. أما مطعم الشيف الحائز على نجمة ميشلان، شون رانكن، فيقدم “شاي اللحم” المصنوع من عصائر التحميص مع الزبدة ونخاع العظام، كطبق مقبلات مستلهم من وجبة طفولته.

نكهات الطفولة بمقاييس الذواقة

يقول الشيف رانكن: “المرق الجيد يجب أن يضخم نكهة اللحم، لا أن يخففها”، مضيفًا أن العودة إلى الدهون الطبيعية باتت موضة الطهاة المعاصرين. طبق “الخبز والزبدة وشاي اللحم” الذي يقدمه هو تجسيد حرفي لذاكرة الطفولة المطبوخة بالبخار والنكهات المركّزة.

جيل جديد يحتفي بـ”البلل” لا القرمشة

بحسب كاتب الطعام جورديب لويال، المرق هو بطل ما يسميه “احتفالًا بالرطوبة”، في مقابل موجة السنوات الماضية من الهوس بكل ما هو مقرمش. يقول: “براعم التذوق لدينا تتركز على أطراف اللسان، لذا المذاق يكون أعمق عندما يكون الطعام غارقًا”.

حتى كرات الآيس كريم… بنكهة المرق؟!

في أغرب تجلياته، تعاونت سلسلة KFC مع “Hackney Gelato” لإنتاج آيس كريم بالمرق، بنكهة الدجاج والفلفل. ورغم السخرية التي طالت التجربة على تيك توك، إلا أن المنتج نفد من الأسواق بسرعة، في إشارة إلى تعطش السوق للتجديد والمغامرة.

المرق البريطاني: منتج محلي خالص

تشير الباحثة الغذائية بين فوغلر إلى أن المرق هو اختراع بريطاني بامتياز، بخلاف معظم أطباق “المطبخ البريطاني” المستوردة من المستعمرات أو من فرنسا. مصدره؟ بقايا العصائر والدهون في صينية التحميص، لا وصفة معقدة في كتاب طهو كلاسيكي.

من “بستو” و”أوكسو” إلى وصفات الجدة المبتكرة

قبل اختراع مكعبات أوكسو ومسحوق بستو، كان المرق نتاج “تجريب عشوائي”: بقايا خضار، كريمة متخثرة، خليط من بيضة ويوركشير بودينغ، وحتى مخللات أو كراميل محروق. إنه طبق يصنع من البقايا لكنه يختصر روح المطبخ البريطاني المنزلي.

مرونة بلا وصفات: سر عالميته المحدودة

لا وجود لوصفات “مرق” في كتب الطبخ الفرنسية أو الإيطالية. بحسب المؤرخ آلان ديفيدسون، المرق “مفهوم غامض خارج بريطانيا”، وربما لهذا السبب تجاهله الطهاة في سعيهم لنيل الاعتراف الدولي سابقًا. اليوم، عاد بقوة بفضل التركيز على الطعم العميق لا الشكل المصقول.

المرق كأداة مقاومة ناعمة

في عالم طهو تحكمه المقارنات مع فرنسا وإيطاليا، يظهر المرق كرمز مضاد للأناقة المتكلفة، ويستحضر صورًا من دفء المنزل وسخرية بريطانية حاضرة دائمًا. وكما يقول الشيف ستيفي بارل: “المرق ليس صوصًا فرنسيًا… إنه المرق، فحسب. وهو لذيذ جدًا”.

“كل شيء تمام، إنه المرق

ربما لا يمكن تحديد ماهية المرق بدقة، لكن العبارة البريطانية الشهيرة “It’s all gravy” تختصر جوهره: طمأنينة، متعة، وراحة. في زمن يبحث فيه الناس عن طعام يلمس الذكريات أكثر مما يدهش البصر، يبدو أن المرق وجد مكانه أخيرًا — لا كظل على حافة الطبق، بل كنجم يتوسطه.

أقرأ ايضا

حزب الوعي يبدأ استقبال خطابات الترشح استعدادًا للانتخابات البرلمانية المقبلة

منةالله خيري

صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى