تقرير خاص: تصاعد إنفاق عمالقة التكنولوجيا على الأمن الشخصي

لم يعد رؤساء شركات التكنولوجيا مجرد قادة أعمال خلف الشاشات أو رموز وادي السيليكون التي تُلهم الابتكار. خلال العقد الأخير، ومع تضخم ثرواتهم، تزايد نفوذهم السياسي، وازدياد التوتر المجتمعي حول قضايا مثل الخصوصية، الذكاء الاصطناعي، تسريح الموظفين، وسيطرة الشركات العملاقة على الاقتصاد الرقمي، أصبح هؤلاء المدراء التنفيذيون أهدافًا مباشرة للغضب الشعبي وللتهديدات الأمنية على حد سواء.
في عام 2024 وحده، ارتفع مجموع ما أنفقته أكبر عشر شركات تكنولوجيا أمريكية على الحماية الشخصية لرؤسائها التنفيذيين إلى أكثر من 45 مليون دولار، بحسب تحليل Financial Times. هذه القفزة تعكس واقعًا جديدًا: صورة المدير التنفيذي صارت تُختزل في نظر خصوم كثيرين كرمز لـ”كل ما هو خاطئ” في النظام الاقتصادي والسياسي، الأمر الذي يرفع احتمالية التهديدات ضد حياتهم وممتلكاتهم.
الفصل الأول: سياق متوتر – من هجمات فردية إلى اتجاه عام
شهدت الولايات المتحدة سلسلة حوادث دامية استهدفت شخصيات تنفيذية خلال العامين الماضيين:
في ديسمبر 2024، قُتل براين طومسون، الرئيس التنفيذي لشركة United Healthcare، في إطلاق نار بمانهاتن.
في يوليو 2025، قُتل أربعة أشخاص في مبنى إداري بنيويورك في هجوم مرتبط بخلاف مع NFL.
هذه الحوادث أعادت إلى الواجهة سؤال: هل أصبحت حياة التنفيذيين مرتبطة مباشرة بمزاج سياسي واجتماعي غاضب؟
الخبير الأمني جيمس هاميلتون، وهو عميل سابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي، وصف الوضع بقوله:
“لم أرَ قط مستوى التهديد والقلق بهذا الحجم كما هو اليوم… أصبح الناس ينظرون إلى قادة الشركات كرمز لكل ما يثير غضبهم من النظام القائم.”
الفصل الثاني: الأرقام تكشف حجم التحول
التقرير المالي لشركات مثل Meta، Alphabet، Amazon، Nvidia وPalantir يكشف أن ميزانيات الأمن تضاعفت في بعض الحالات بنسبة أكثر من 10٪ سنويًا.
Meta (مارك زوكربيرغ):
أكبر فاتورة في القطاع، بلغت 27 مليون دولار عام 2024، تشمل حماية شخصية له ولأفراد عائلته في المنزل والسفر.
Nvidia (جنزن هوانغ):
ارتفعت من 2.2 مليون (2023) إلى 3.5 مليون دولار (2024).
Palantir (أليكس كارب):
يعيش تحت حراسة دائمة 24/7، بعد تلقيه تهديدات بالقتل مرتبطة بعقود شركته مع الجيش الإسرائيلي ووكالات الهجرة الأمريكية.
Tesla / SpaceX (إيلون ماسك):
أنشأ شركته الأمنية الخاصة Foundation Security، ويسافر أحيانًا محاطًا بـ20 عنصرًا من الحماية.
Amazon (جيف بيزوس / آندي جاسي):
أنفقت الشركة 1.6 مليون دولار سنويًا منذ 2010 على حماية بيزوس، إضافة إلى 1.1 مليون دولار لرئيسها التنفيذي الحالي جاسي في 2024.
الفصل الثالث: لماذا tech CEOs بالذات؟
1. ثروات هائلة علنية
القفزات الهائلة في أسهم التكنولوجيا جعلت ثروات مثل ثروة هوانغ (153 مليار دولار) وماسك (أكثر من 200 مليار) حديث الإعلام والشارع، وهو ما خلق صورة “الأثرياء المعزولين عن الواقع”.
2. القرار السياسي
منذ انتخابات 2024، دخل التنفيذيون في قلب السياسة:
ماسك أصبح أكبر ممول لحملة دونالد ترامب.
هوانغ يضغط في ملف تصدير شرائح الذكاء الاصطناعي إلى الصين.
كارب يدافع علنًا عن عقود شركته العسكرية مع إسرائيل.
3. الغضب الشعبي
إضرابات عمالية، تسريحات جماعية، وتنامي الاتهامات بسرقة بيانات المستخدمين، كلها جعلت الرؤساء التنفيذيين أهدافًا سهلة للعداء.
الفصل الرابع: من الحراسة إلى أنظمة أمن متكاملة
لم تعد الحماية مقتصرة على حراس شخصيين، بل شملت:
تعزيز مقار الشركات: مثل الألواح الزجاجية المقاومة للرصاص بسمك 1.5 بوصة في مكاتب أمازون بسياتل.
التحكم في السفر: إلزام بعض التنفيذيين باستخدام الطائرات الخاصة للشركات فقط.
مكافحة الهجمات السيبرانية: ازدياد استخدام تقنيات مواجهة “deepfake” الصوتية التي تستغل لتزوير أوامر تحويل الأموال.
تأمين المنازل: تسجيل ارتفاع ملحوظ في محاولات اقتحام منازل التنفيذيين.

الفصل الخامس: ليسوا وحدهم – القطاع المالي والإعلامي أيضًا
لم يقتصر الأمر على قطاع التكنولوجيا.
JPMorgan (جيمي ديمون): ارتفعت نفقات الأمن إلى 882 ألف دولار (2024).
Fox (لاكلاين مردوخ): تضاعفت ميزانية أمن منزله مع تصاعد الجدل حول قنواته الإخبارية.
شركات التأمين الصحي والأدوية أزالت صور مدرائها من المواقع الرسمية بعد اغتيال طومسون.
الفصل السادس: أمن في عصر “كراهية النخبة”
الخبيرة ليان كينيدي-بودالي من شركة Control Risks لخصت التحول:
“في السابق كان الخطر غالبًا يأتي من موظف ساخط أو شريك تجاري سابق. الآن الاتجاه تغيّر: الرؤساء التنفيذيون يُستهدفون كرموز للصراع الاجتماعي والسياسي.”
ويؤكد رودريك جونز من شركة Concentric:
“أي شركة لديها مزيج من جمهور غاضب وقاعدة مساهمين كبيرة ورؤساء تنفيذيين بارزين أصبحت تواجه مستوى خطورة هيكلي أعلى من السابق.”
الفصل السابع: صعود التشفير وزيادة المخاطر
قطاع العملات الرقمية كان سبّاقًا في الإنفاق الأمني.
Coinbase (برايان أرمسترونغ): أنفقت 6.2 مليون دولار في 2024 على الحماية.
تزايدت محاولات خطف عائلات مؤسسي شركات الكريبتو في أوروبا والولايات المتحدة.
مؤسس Blockdaemon قال:
“كل مرة يرتفع السوق، تظهر المخاطر… البقاء بعيدًا عن الأضواء صار شرطًا للبقاء.”
اقرأ أيضاً
استعراض القوة الجوية للصين يفوق التوقعات
الخاتمة: أمن الرؤساء التنفيذيين… مؤشر أزمة اجتماعية أعمق
تضاعف ميزانيات الحماية الشخصية ليس مجرد بند إضافي في دفاتر المحاسبة، بل هو انعكاس مباشر للأزمة بين التكنولوجيا والمجتمع. هؤلاء التنفيذيون أصبحوا، في أعين كثيرين، ليس فقط قادة أعمال، بل “وجوهًا للسلطة غير المتوازنة” التي يحمّلها البعض مسؤولية فجوة الثروة، فقدان الوظائف، وحتى اضطرابات السياسة العالمية.
ومع تصاعد دور الذكاء الاصطناعي والاعتماد على شركات التكنولوجيا العملاقة، من المرجح أن تستمر هذه الفجوة وأن تزيد معها المخاطر، مما يضع معادلة جديدة أمام هذه الشركات: الابتكار يتطلب الآن تكلفة أمنية باهظة، وربما لا تقل خطورة عن الاستثمارات التقنية ذاتها.