علوم اجتماعية وانسانية

هل تنهار وحدة الولايات بسبب حبة إجهاض؟ جدل قانوني يزلزل أمريكا

قوانين الحماية تقلب موازين الفيدرالية في أمريكا: الإجهاض يعود من الباب الخلفي

رغم القوانين المتشددة التي تحظر الإجهاض في عدد من الولايات الأمريكية، فإن عدد عمليات الإجهاض لا يتراجع بل على العكس، يشهد ارتفاعًا غير متوقع. السبب يعود إلى ظهور ظاهرة قانونية جديدة تُعرف بـ”قوانين الحماية”، وهي تشريعات أقرتها بعض الولايات التقدمية كنوع من التحدي المباشر لنظام الفيدرالية الأمريكي. هذه القوانين تتيح لمقدمي خدمات الإجهاض إرسال حبوب الإجهاض عبر البريد إلى نساء في ولايات يُمنع فيها الإجراء، دون أن يواجهوا خطر الملاحقة القانونية.

في قلب هذه الظاهرة تقف مشاريع طبية مثل تلك التي تديرها مجموعة من الأطباء في ماساتشوستس، حيث تُرسل آلاف الجرعات شهريًا إلى ولايات حظرت الإجراء منذ إسقاط حكم Roe v. Wade عام 2022. ما بدأ كحل مؤقت للنساء في ولايات محافظة، تحوّل إلى تحدٍ دستوري أوسع يعيد طرح أسئلة جوهرية حول حدود السلطة القانونية بين الولايات، ويهدد بإشعال صدام في المحاكم الفيدرالية قد يغيّر شكل القانون الأمريكي لعقود قادمة.

الرسم البياني: الاقتصادي
ايكونوميست

من تكساس إلى ماساتشوستس: رحلة إلكترونية لإنهاء الحمل

تُصور الباحثة في الصحة العامة والطبيبة أنجل فوستر واقع امرأة شابة تبلغ من العمر 23 عامًا، تقطن في منطقة ريفية من ولاية تكساس، حيث يُعد الإجهاض محظورًا تقريبًا دون استثناءات. عبر بحث بسيط على الإنترنت، تكتشف هذه المرأة وجود مبادرة في ماساتشوستس توفر حبوب الإجهاض المعتمدة من إدارة الغذاء والدواء (FDA) وتُرسل بالبريد بتكلفة لا تتجاوز 5 دولارات. تقول فوستر: “يبدو الأمر جنونيًا، أليس كذلك؟ كيف يكون ذلك قانونيًا؟ وكيف يكون آمنًا؟”

وفقًا لـThe Economist، فإن ما تصفه فوستر هو واقع حالي. مشروع “وصول ماساتشوستس للإجهاض الدوائي” (MAP)، الذي كانت من مؤسسيه، يرسل ما بين 2,000 و3,000 طرد شهريًا، 95% منها إلى ولايات تُحظر فيها هذه الإجراءات.

قوانين الحماية: أدوات قانونية جديدة تتحدى قرارات الحظر

ماساتشوستس هي واحدة من ثماني ولايات أمريكية أقرت قوانين تحمي مقدمي خدمات الإجهاض من الملاحقات الجنائية أو الدعاوى المدنية، حتى لو أُرسلت الأدوية إلى ولايات أخرى حيث يُمنع الإجهاض. وتشير The Economist إلى أن نحو 10% من حالات الإجهاض القانونية في أمريكا، خلال النصف الأول من 2024، جرت بموجب هذه القوانين، ومن المرجح أن تكون النسبة قد ارتفعت مؤخرًا، خاصة في ولايات مثل ميسيسيبي، حيث بات عدد حالات الإجهاض أعلى مما كان عليه قبل الحظر.

إجراءات بسيطة ومخاوف قانونية

عملية الإجهاض عن بعد بسيطة نسبيًا، وتتطلب تعبئة استمارات إلكترونية وتحويل رسوم رمزية. طبيًا، الإجراء آمن، حيث كشفت دراسة نُشرت في Nature Medicine عام 2024 أن 99.8% من حالات الإجهاض عبر التطبب عن بعد لم تُسجل فيها مضاعفات خطيرة. لكن بعض النساء قد يلجأن إلى المستشفيات بسبب النزيف، وهناك خطر قانوني محدود، حيث سبق توجيه اتهامات لبعض النساء بسبب ما يُعرف بـ”التخلص غير السليم من الجنين”.

أما مقدمو الرعاية الصحية، فيواجهون تحديات أكبر، خصوصًا أولئك الذين يفضلون البقاء داخل ولاياتهم المحمية. يروي أحد الأطباء في كاليفورنيا، الذي يساعد في إجراء الإجهاض بموجب قوانين الحماية، أنه لم يعد يسافر خوفًا من الاعتقال، مما منعه حتى من حضور ولادة حفيده.

الرسم البياني: الاقتصادي
ايكونوميست

معركة قانونية محتدمة

حاولت بعض الولايات المناهضة للإجهاض التصدي لهذا التحايل. ففي ديسمبر، رفع المدعي العام لولاية تكساس دعوى مدنية ضد طبيبة من نيويورك لإرسالها حبوب إجهاض إلى داخل الولاية، وتبعتها لويزيانا باتهامات جنائية. لكن، بحسب The Economist، رفضت حاكمة نيويورك كاثي هوشول تسليم الطبيبة، فيما لم تنفذ محاكم الولاية الغرامة البالغة 113 ألف دولار.

مستقبل النظام الفيدرالي على المحك

ترى ماري زيغلر، مؤرخة قانونية، أن هذه القوانين ستنتهي على الأرجح أمام المحكمة العليا. وتوضح أن “قوانين الحماية تُقوّض أحد المبادئ الفيدرالية الأساسية: التعاون بين الولايات في تنفيذ الأحكام القضائية”. ويمتد تأثير هذه القوانين، بحسب بعض الخبراء، ليطال قضايا أخرى مثل العلاج بالمواد المهلوسة أو الرعاية الصحية للمتحولين جنسيًا.

توماس جيبّينغ، من مؤسسة هيريتيج المحافظة، يُحذر من أن غياب التوافق على المبادئ الدستورية قد يؤدي إلى “تفكك البلاد”، فيما يرى مؤيدو قوانين الحماية أن قضية الإجهاض تظل استثنائية، ولا يُتوقع أن تمتد هذه القوانين إلى مجالات أخرى.

الرسم البياني: الاقتصادي

الاحتمالات الفيدرالية والردود المتوقعة

رغم الانقسام السياسي، فإن سن قانون فدرالي حاسم يظل صعبًا بسبب احتمال عرقلته في مجلس الشيوخ. وقد تحاول إدارة ترامب المقبلة، في حال عودتها، فرض قيود على هذه القوانين عبر تعديل سياسات الـFDA أو تفعيل قانون كومستوك القديم، الذي يُجرّم إرسال وسائل الإجهاض بالبريد. ومع أن الرئيس الأمريكي الحالي أكد أن تنظيم الإجهاض ينبغي أن يُترك للولايات، إلا أن تطورات كهذه ربما لم تكن في حسبانه.

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي خارجي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. يتمتع بخبرة واسعة في التغطية والتحليل، وعمل في مواقع وصحف محلية ودولية. شغل منصب المدير التنفيذي لعدة منصات إخبارية، منها "أخباري24"، "بترونيوز"، و"الفارمانيوز"، حيث قاد فرق العمل وطور المحتوى بما يواكب التغيرات السريعة في المشهد الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى