عربي وعالمي

فيضانات تكساس تقتل 50 وتُغرق مئات المنازل وسط تحذيرات من كارثة أكبر

فيضانات مدمّرة تضرب تكساس في عيد الاستقلال وتخلف عشرات الضحايا والمفقودين وسط فشل في التحذيرات المبكرة

فيضانات تكساس تحوّلت خلال ساعات قليلة من أمطار متفرقة إلى كابوس حقيقي اجتاح الولاية الأميركية بقسوة نادرة، مخلّفًا أكثر من 50 قتيلًا، بينهم أطفال، إلى جانب عشرات المفقودين الذين ما زالت فرق الإنقاذ تبحث عنهم وسط دمار واسع النطاق.

وبينما كانت عائلات “تكساس هيل كنتري” تحتفل بعطلة الرابع من يوليو، باغتتهم الطبيعة بموجة عنف هائلة، قلبت احتفالهم إلى واحدة من أشد الكوارث الطبيعية دموية في تاريخ الولاية.

لحظات الانفجار: حين تحوّلت الطبيعة إلى وحش مفترس

قبل شروق شمس الجمعة، ومع امتلاء المخيمات الصيفية بالأطفال والعائلات، بدأت فيضانات تكساس في التشكل بسبب أمطار غزيرة هطلت على المرتفعات المحيطة بنهر غوادالوبي.

لم تستمر العاصفة سوى بضع ساعات، لكنها أنزلت ما يقارب تريليوني جالون من المياه، ما تسبب في ارتفاع منسوب النهر بشكل غير مسبوق من 7 أقدام إلى 29 قدماً في وقت قياسي، ليجتاح “حائط الماء المتحرك” الطرقات والمخيمات والمنازل، دون أي فرصة للهرب أو التحذير المسبق.

عمليات إنقاذ بطولية… سباق ضد الزمن

مع تصاعد حجم الكارثة، تحركت فرق الطوارئ بجهد غير مسبوق. تم إنقاذ أكثر من 850 شخصًا باستخدام مروحيات، طائرات مسيرة، قوارب، وفرق تدخل بري، في ظروف صعبة ومياه متدفقة بقوة جارفة. بعض الناجين تم انتشالهم وهم متشبثون بأشجار، أو طافون على مراتب الإسفنج في وسط مجرى النهر.

ومع ذلك، لا تزال السلطات تصر على تسمية ما يجري بـ”عملية بحث وإنقاذ”، وإن كانت تدرك في قرارة نفسها أن الأمل يتضاءل، وقد تتحول المهمة إلى “استعادة جثث” في الأيام المقبلة.

مأساة إنسانية… بين دموع الأهالي وأنين الفقد

في مدينة كيرفيل، تم إنشاء مركز خاص لتجميع العائلات ولمّ شملها، حيث توافد المئات في مشاهد إنسانية بالغة القسوة. هناك، عائلات تبحث بين الصور، وأخرى تنفجر بالبكاء.

بينما يتعرف بعض الأهالي على جثث أطفالهم. أحد المسؤولين قال باختناق: “عندما ترى أكياس الجثث الصغيرة مُصفّفة أمامك… تشعر أن قلبك يُنتزع من مكانه”.

كارثة المخيمات الصيفية: عندما تكون البراءة ضحية

واحدة من أشد الضربات وقعت في كامب ميستيك، أحد أشهر المخيمات الصيفية للفتيات في تكساس. كان المخيم يضم أكثر من 700 طفلة لحظة وقوع الكارثة.

لقي مصرعه مدير المخيم، ريتشارد إيستلاند، وهو يحاول إنقاذ ثلاث فتيات صغيرات من الغرق، فيما توفيت مديرة مخيم آخر مجاور كانت من أبرز شخصيات المجتمع المحلي.

كانت لا تزال 27 فتاة مفقودة من نفس المخيم، حتى مساء السبت، ما يجعل ما حدث من أكبر الكوارث المرتبطة بالمخيمات الصيفية في تاريخ الولاية.

البنية التحتية تنهار أمام الغضب المناخي

في بلدة إنغرام، جرفت الفيضانات الجسور بالكامل، تاركة السكان في عزلة تامة، بلا ماء أو كهرباء، فرق الإنقاذ عجزت عن الوصول إلى عدة مناطق، واضطر السكان إلى تنفيذ عمليات إجلاء بأنفسهم.

إحدى السيدات قامت بجولات ميدانية داخل متنزه منازل متنقلة لإنقاذ السكان واحدًا تلو الآخر، قبل أن تشاهد بيوتها تنهار أمام عينيها. أحد موظفيها فقد حياته بينما كان يحاول إنقاذ أسرته، بعد إصابته بجروح مميتة أثناء كسر النوافذ للخروج.

خلل في التحذيرات… والاتهامات تتصاعد

ورغم أن هيئة الأرصاد الجوية أصدرت تحذيرًا قبل الكارثة بساعات، إلا أن العديد من السكان لم يتلقوا أي تنبيهات.

وزيرة الأمن الداخلي الأميركية وصفت النظام القائم للتنبيه بأنه “بدائي”، ما أثار جدلًا سياسيًا واسعًا حول جهوزية الدولة، بين من حمّل الحكومة المسؤولية ومن دعا لعدم توجيه اللوم والتركيز على عمليات الإنقاذ.

شبح الماضي يعود: فيضانات 1987 تتكرر بأشد قسوة

الكارثة أعادت إلى الأذهان مأساة عام 1987، حين غمرت مياه نهر غوادالوبي المنطقة وأودت بحياة 10 مراهقين.

لكن فيضانات تكساس هذا العام فاقت كل التوقعات، بعدما تجاوز عدد الضحايا الـ50، في وقت لا تزال فرق البحث تنتشل الجثث من تحت الأنقاض والوحل. الطبيعة الجغرافية المعقدة للمنطقة، بتلالها وأوديتها الضيقة، تجعلها عرضة دائمة لمثل هذه الفيضانات المفاجئة.

أصوات الناجين توثق لحظات الرعب

بعض الناجين لجؤوا إلى منصات التواصل الاجتماعي لنقل مشاهد الرعب. راشيل سانشيز، إحدى السيدات المتضررات، نشرت مقطع فيديو مؤثر من منزلها الغارق، تظهر فيه وهي تبكي بجوار والدها العاجز على سرير الرعاية، والمياه تملأ الغرف، “لقد فقدنا كل شيء… عشنا هنا ثلاثين عامًا، ولم يحدث شيء كهذا من قبل”، صرخت راشيل في الفيديو الذي انتشر بسرعة على فيسبوك وتويتر.

الأزمة لم تنتهِ بعد… توقعات بالمزيد من الأمطار

رغم الجهود الضخمة المبذولة، إلا أن خدمات الطوارئ تحذر من استمرار هطول الأمطار حتى مساء الأحد، ما قد يزيد من صعوبة البحث والإنقاذ، ويرفع منسوب الأنهار مرة أخرى.

وبينما لا تزال قلوب الأهالي معلقة على بصيص أمل، يزداد الألم مع كل خبر عن ضحية جديدة. وتبقى الأسئلة المفتوحة قائمة: هل كانت الكارثة حتمية؟ أم أن الإهمال والتقنية البالية لعبا دورًا في مضاعفة المأساة؟

فيضانات تكساس: جرس إنذار جديد للعالم

ما جرى في فيضانات تكساس ليس مجرد حدث محلي، بل ناقوس خطر يدق العالم كله بشأن تغير المناخ، والبنية التحتية المتآكلة، والاستعداد لمواجهة كوارث من هذا النوع. بين البراءة التي غرقت، والأمل الذي لم يُدفن بعد، تكتب هذه الكارثة فصلًا جديدًا من تاريخ الطبيعة الغاضبة والإنسان المصدوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى