الصين وأمريكا تتبادلان اللوم في عالم مضطرب: سباق عالمي لكسب الحلفاء
الصين وأمريكا تتسابقان على النفوذ العالمي وسط توتر متصاعد

في ظل تصاعد الاضطرابات السياسية والقلق الاقتصادي وتصاعد الحواجز التجارية، يبدو أن معظم دول العالم لا ترغب في الانحياز لصالح الصين وأمريكا، لكن الواقع يقول شيئًا مختلفًا: قد لا يكون أمام هذه الدول خيار سوى الاختيار. فالتنافس بين القوتين العظميين لم يعد محصورًا في آسيا أو المحيط الهادئ، بل أصبح سباقًا عالميًا لكسب الحلفاء، وفرض النفوذ، وتبادل الاتهامات بشأن من يُشعل النيران في النظام العالمي.
دبلوماسية الهدوء… برسائل مشفرة
خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى بكين يوم 26 أبريل، تبنّى الرئيس الصيني شي جين بينغ نبرة تصالحية، داعيًا إلى التعاون والابتعاد عن “المنافسة الخبيثة”. ورغم تصريحات سابقة لوزير الخارجية الصيني اتهم فيها إدارة بايدن بمحاولة خنق اقتصاد بلاده، قال شي إن العالم يمر بتحول غير مسبوق منذ قرن، وإنه “متشابك المصير”، داعيًا لتعاون أمريكي-صيني في مواجهة التحديات.
لكن وسط هذه الكلمات الدافئة، جاءت الرسائل الواضحة: الصين ترفض فكرة “التحالفات” و”الكتل الصغيرة” التي تقودها أمريكا، وهي عبارة مشفّرة تستخدمها بكين لتنتقد تحالفات واشنطن مع دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين في آسيا، وحلف الناتو في أوروبا.
الرحلة الأوروبية لشي… اختيار غير عشوائي
في 5 مايو، يبدأ شي جولة أوروبية تشمل فرنسا والمجر وصربيا، وكلها دول تُشيد بها الصين على التزامها بـ”الاستقلالية الاستراتيجية” – أي رفض التبعية الأمريكية. في فرنسا، يذكّر السفير الصيني الصحفيين بقرار الرئيس ديغول عام 1964 الاعتراف الدبلوماسي بالصين رغم “الضغط الغربي”، في إشارة لأمريكا.
أما في المجر، فالصين تجد حليفًا قويًا في رئيس الوزراء فيكتور أوربان، الذي يعرقل باستمرار محاولات الاتحاد الأوروبي للوصول إلى موقف موحد تجاه بكين.
وفي صربيا، تأتي زيارة شي في ذكرى قصف الناتو للسفارة الصينية في بلغراد عام 1999، حادثة لا تزال بكين تعتبرها “جريمة لم تُغتفر”، رغم إصرار أمريكا على أنها كانت “خطأ استخباراتيًا”.
أمريكا تردّ: الصين تخسر بمواقفها
من جانبه، طرح بلينكن في زيارته إلى بكين ثلاث حجج رئيسية ضد سياسات الصين:
بحر الصين الجنوبي: اعتبر أن التحرش الصيني بالسفن الفلبينية يُقوّض الاستقرار، مشيرًا إلى تحالفات أمريكية متنامية مع دول مثل اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية، التي تشارك واشنطن مخاوفها بشأن تصرفات الصين.
الحرب في أوكرانيا: حذّر من أن الشركات الصينية التي تبيع تكنولوجيا مزدوجة الاستخدام لروسيا تُهدد الأمن الأوروبي، داعيًا بكين للاختيار بين دعم بوتين أو الحفاظ على علاقتها مع أوروبا.
القدرة الصناعية المفرطة: انتقد السياسات الصناعية الصينية التي تؤدي إلى إغراق الأسواق العالمية بالبضائع الرخيصة، مشيرًا إلى تحقيقات أوروبية ولاتينية ضد شركات صينية في قطاعات السيارات والطاقة الشمسية.
السفير الأمريكي في بكين نيكولاس بيرنز صرّح صراحة: “على الحكومة الصينية أن تفهم أن عدوان بوتين على أوكرانيا تهديد وجودي لأوروبا، ولذلك فغضب الأوروبيين من دعم شركات صينية لروسيا مبرر تمامًا”.
أقرأ أيضا
الولايات المتحدة توجه اتهامات لـ11 شخصًا في مخطط احتيالي روسي لسرقة 10 مليارات دولار من برنامج “ميديكير
تجاهل متبادل وتحذير ختامي
الصين، من جانبها، لم تُظهر استعدادًا للتراجع. فهي لا تزال تُصر على أنها “محايدة” في الأزمة الأوكرانية، وتُحمّل أمريكا مسؤولية التصعيد في بحر الصين الجنوبي، وتعتبر الاتهامات بشأن فائض الإنتاج مجرد “دليل على تراجع القدرة التنافسية الغربية”، وفقًا لبيان سفارتها في باريس.
لكن هذه النبرة الساخرة، كما يرى مراقبون، لا تخدم الصين. فالمنافسة الأمريكية الصينية طويلة الأمد، وكلا الطرفين بحاجة إلى حلفاء – خاصة في عالم لم يعد يثق بسهولة في القوى الكبرى.
خلاصة المشهد
في وقت تتسابق فيه واشنطن وبكين لفرض رؤيتهما على النظام العالمي، تحاول كل منهما الظهور بمظهر القائد المسؤول. لكن خلف الابتسامات والمصافحات، تدور حرب سرديات، تُستخدم فيها التحالفات، والتاريخ، والاقتصاد، وحتى الذكريات الدبلوماسية القديمة كسلاح.
المعضلة الحقيقية ليست من على حق، بل: من سيُقنع الدول المترددة بأن تحالفه هو الأقل خطرًا… والأكثر نفعًا.