حين تصبح القيادة خطراً: كيف نُقنع من نحب بأن الوقت قد حان للتوقف؟
بين الحرص والمحبة... معركة صامتة حول الاستقلالية والسلامة.

حين تصبح القيادة خطراً: كيف نُقنع من نحب بأن الوقت قد حان للتوقف؟
بين الحرص والمحبة… معركة صامتة حول الاستقلالية والسلامة.
قد يكون من أصعب الأحاديث التي نخوضها مع من نحب، هو الحديث عن التقدّم في العمر والحاجة إلى التخلّي عن بعض مظاهر الاستقلالية كقيادة السيارة. فالسيارة ليست مجرد وسيلة نقل، بل رمز للحرية، والسيطرة، والكرامة. وفي رسالة مؤثرة بعثت بها قارئة إلى الكاتبة البريطانية Annalisa Barbieri، نجد هذا التحدي بكل تفاصيله الإنسانية المؤلمة والمربكة.
الحادث الذي لم يحدث… لكنه غيّر كل شيء
تقول صاحبة الرسالة: “حماتي كادت أن تتسبب في حادث مروّع منذ أشهر. لم يُصب أحد، لكننا شعرنا أن الإنذار قد دقّ.” وبعد الحادث، طلبت العائلة منها عدم اصطحاب الأحفاد معها بالسيارة، وقد وافقت دون نقاش.
لكن المفاجأة كانت في استمرارها بالقيادة لنفسها، وكأن شيئاً لم يكن.
من فقدان البصر إلى استعادته… فهل يعني هذا استعادة الأمان؟
المرأة كانت قد شُخصت قبل عام بـإعتام عدسة العين، ونصحها الأطباء آنذاك بالتوقف عن القيادة. وبالفعل، التزمت بالتعليمات، واستعاضت عن السيارة بالمشي وبطاقة التنقل المجانية.
لكن بعد نجاح العلاج وقرار طبيبها بالسماح بالعودة إلى القيادة، عادت خلف المقود. وقد جددت تأمين السيارة بمبلغ كبير، ما اعتبرته الكاتبة قراراً قد لا يكون حكيماً.
“أشعر بالامتنان أنها توقفت عن قيادة الأطفال، لكن هل كان عليها العودة للقيادة أصلاً؟”
القيادة ليست مجرد مهارة… بل شعور بالجدوى
المرأة لم تفقد فقط وسيلة تنقل، بل جزءاً من شعورها بأنها مفيدة. وهي اعتادت أن تقل جيرانها، وتساعد من هم أكبر منها سناً.
“هي امرأة قوية، ربت أربعة أبناء، وتفخر بأنها قادرة على العطاء. ولكننا نخشى أن تصبح سيارتها يوماً ما أداة كارثية بدلاً من وسيلة مساعدة.”
العائلة منقسمة… من سيواجه الحقيقة؟
من المعضلات التي واجهتها كاتبة الرسالة أن باقي أفراد العائلة لا يرون خطورة الوضع. بل وتتحمل هي وحدها عبء التحذير والتفكير، مع أنها ليست ابنة المرأة بل زوجة ابنها.
والمعالج النفسي كريس ميلز أشار إلى نقطة مهمة: “لماذا تتولى الكنة هذا الدور؟ أليس من الأفضل أن يأتي التحرك من ابنها مباشرة؟” وحذر من أن يتم تصويرها لاحقاً كمتدخلة أو مَن “تريد السيطرة”.
السيارة: سلاح صامت إن لم ننتبه
قال ميلز بوضوح: “لو كنا نتحدث عن سلاح ناري بدلاً من سيارة، لسارع الجميع إلى التدخل. ولكن الحقيقة أن السيارة يمكنها أن تقتل أيضاً.” وأوضح أن الصياغة المباشرة والحازمة قد تكون ضرورية أحياناً: “ربما لم تُقل لها بوضوح: نحن نشعر بأن قيادتك لم تعد آمنة، ونرجو منك التفكير جدياً في التوقف.”
ما يمكن فعله الآن… خطوات عملية لا مؤذية
1. ابدأوا بمصارحة ناعمة: لكن صريحة واكشفوا عن قلقكم من منطلق الحب، لا الأوامر. اجعلوا النقاش دافئاً وهادئاً.
2. اقترحوا بدائل مجدية: ولا تأخذوا منها وسيلة تنقل دون بديل. واقترحوا سيارات الأجرة، أو خدمات النقل، أو المساعدة في تنظيم تنقلها بشكل جماعي بين الأبناء.
3. تقييم طبي جديد: إن تبيّن من تقييم الطبيب أن قيادتها فعلاً لم تعد آمنة، يمكنكم الاستناد إلى رأي مهني واضح.
وفي بعض الدول، يمكن للطبيب أو أحد أفراد العائلة إخطار دائرة المرور (مثل DVLA في بريطانيا) لاتخاذ الإجراء المناسب.
4. طمئنوها أن قيمتها لا تنبع من القيادة فقط: وكرّروا على مسامعها أنها لا تزال مهمة ونشيطة، حتى لو تغيّرت “الأدوات” التي تعتمد عليها في حياتها.
في النهاية… التغيير لا يعني النهاية
قد لا تكون المسألة مجرد قيادة.
بل قضية أكبر بكثير: الهوية، والكرامة، والشعور بأننا لا نزال نُحدث فرقاً في هذا العالم. فحين نطلب من من نحب التخلي عن القيادة، نحن لا ننتزع حريتهم… بل نحاول الحفاظ على حياتهم وحياة من حولهم.
لكن يجب أن يتم ذلك بلغة الحب، والاحترام، والصبر.