عربي وعالمي

أوكرانيا تغيّر قواعد الحرب: مصانع صغيرة تتفوق على ترسانات الغرب البطيئة

ثورة الابتكار الدفاعي الأوكراني تكشف أن السرعة والمرونة قد تتغلب على التفوق الصناعي التقليدي

في ظلّ أطول حرب أوروبية منذ عقود، تكشف التجربة الأوكرانية عن نموذج جديد للتصنيع العسكري، يبتعد عن الترسانات الضخمة ويعتمد على الابتكار وسرعة الإنتاج. بينما تنتظر بولندا دبابات “أبرامز” منذ عامين، تنتج ورش صغيرة قرب كييف آلاف الطائرات المسيّرة شهرياً، وتغير موازين القوى في الميدان.

 

المدرعات الأمريكية: تقنيات متقدمة وسرعة بطيئة

في مركز تصنيع الأنظمة المشتركة (JSMC) بأوهايو، حيث تُرمم دبابات “أبرامز” منذ الحرب العالمية الثانية، لا تُنتج مركبات جديدة من الصفر، بل يُعاد تأهيل هياكل قديمة. العملية تستغرق عامين للدبابة الواحدة، ما يجعل الاستجابة للمتغيرات الميدانية بطيئة، رغم الطلبات المتزايدة من دول مثل بولندا.

 

ثورة الطائرات المسيّرة في أوكرانيا

في المقابل، شركة ناشئة قرب كييف تنتج طائرات بدون طيار خلال أربعة أسابيع فقط، مستخدمة ورشاً صغيرة موزعة تحت الأرض لتجنب القصف. هذه الطائرات تُحدث تأثيراً مباشراً في ساحة المعركة، حيث يُعزى لها نحو 70% من الأضرار الروسية. المرونة والسرعة جعلتاها تتفوّق على أكبر المصانع الغربية من حيث عدد الإنتاج.

 

هل ما زالت القوة الصناعية شرطاً للنصر؟

التجربة الأوكرانية تشكّل تحدياً لمعتقدات عسكرية راسخة: لم تعد المصانع الضخمة والقدرات الإنتاجية الهائلة الضمان الوحيد للنصر. بدلاً  من ذلك، أثبتت أوكرانيا أن الابتكار والقدرة على التكيّف السريع يمكن أن يصنعا الفارق. وفي الحرب الحديثة، المهندس الذي يصنع طائرة مسيّرة في مرآب قد يكون أكثر تأثيراً من مصنع دبابات تقليدي.

 

الصناعة الدفاعية الأمريكية: احتكار وبطء خطير

رغم تفوق أمريكا التكنولوجي وامتلاكها 43% من سوق تصدير السلاح العالمي، فإن صناعتها الدفاعية تعاني من بطء الإنتاج، واعتمادها على مكونات نادرة من الصين يفاقم من هشاشة سلاسل التوريد. كما أن متوسط أعمار العاملين في هذه المصانع يبلغ 59 عاماً ما يجعل عملية التسريع في الإنتاج أكثر تعقيداً.

 

ماذا لو وقعت حرب مع الصين؟

محاكاة أمريكية أجريت في 2023 أظهرت أن المخزون الأمريكي من الذخائر قد يُستنزف خلال أسابيع في حال اندلاع حرب واسعة مع الصين. الاعتماد على واردات صينية للمعادن النادرة ومكونات حساسة أخرى، يعرض الصناعة الدفاعية الأمريكية للابتزاز أو الانقطاع.

 

نموذج أوكرانيا: ورش صغيرة، تأثير هائل

بدلاً من إعادة تشغيل مصانع سوفيتية قديمة، أنشأت أوكرانيا شبكة مصانع صغيرة وخاصة، تمثل اليوم 58% من القطاع الدفاعي. وفي أقل من عامين، ارتفع إنتاج القذائف من 50 ألفاً إلى 2.4 مليون، فيما تجاوز إنتاج المسيّرات 2.2 مليون وحدة عام 2024. بعضها يُنتج في كهوف باستخدام طابعات ثلاثية الأبعاد.

الشعار السائد: “أي شيء صغير وغير مأهول، يمكننا تصنيعه”.

 

المسيّرات تغيّر شكل المعركة

تحوّلت الطائرات المسيّرة إلى العمود الفقري للقوات الأوكرانية، مسؤولة عن نصف الخسائر البشرية و70% من الدمار الروسي. فلم تعد الخنادق آمنة، بل أصبحت هدفاً سهلاً، ما دفع الجنود إلى حفر حفر صغيرة والتخفي أكثر من القتال في خطوط أمامية.

 

الصواريخ والسفن: هل من بديل سريع؟

ورغم نجاح المسيّرات، تبقى الأسلحة الثقيلة كالمدمرات والصواريخ والطائرات الحربية ضرورية. غير أن الغرب يواجه صعوبات في تصنيعها بسرعة. على الجانب الآخر، الصين تبني سفناً حربية بسرعة تفوق أي دولة غربية، وتسيطر على 60% من سوق بناء السفن عالمياً.

 

الابتكار لا التصنيع وحده هو الحل

أوكرانيا أثبتت أن العامل البشري قد يكون أهم من الآلة. فمهندس سابق في مجال النفط يمكنه أن يتحوّل إلى صانع صواريخ خلال عامين فقط. ولكن الولايات المتحدة، رغم قوتها الهندسية، ما تزال تعاني من بطء المصانع. ففي 2023، أرسلت 31 دبابة أبرامز إلى أوكرانيا، فتم تدمير 20 منها خلال ثلاثة أشهر فقط، ما يطرح تساؤلات عن فعالية الإنتاج البطيء حتى لو كان عالي التقنية.

 

خلاصة: 

الحرب في أوكرانيا تُعيد تعريف الصناعة الدفاعية. لا مصانع عملاقة ولا خطوط إنتاج طويلة. بل سرعة، مرونة، وورش صغيرة تصنع نتائج كبيرة. وربما آن الأوان ليعيد الغرب التفكير، لا فقط في نوعية الأسلحة، بل في كيفية إنتاجها.

سولين غزيم

سولين غزيم صحفية سورية ، تتميز بقلمها الجريء واهتمامها العميق بالقضايا الإنسانية والاجتماعية. تعمل على تسليط الضوء على هموم الناس بصوت صادق، وتنقل الحقيقة من قلب الحدث بموضوعية وشغف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى