تقارير التسلح

M163 Vulcan… الوحش الأمريكي الذي غيّر قواعد المعركة في فيتنام

M163 Vulcan تغير فكرة وتخطيط الحروب

في زمنٍ كانت فيه طائرات الهليكوبتر والمقاتلات النفاثة تهدد القوات البرية بشكل متزايد، احتاج الجيش الأمريكي إلى رد سريع، حاد، وفعّال. فجاء الرد على هيئة سلاحٍ يشبه الوحوش الميكانيكية في الخيال العلمي: مدفع دوّار خارق مثبت فوق مدرعة مجنزرة — اسمه M163 Vulcan.

لم يكن M163 مجرد قطعة سلاح جديدة، بل كان خطوة انتقالية حاسمة بين عصور مضت من مدافع الحرب العالمية الثانية، ومستقبل الدفاع الجوي الحديث الذي بات يعتمد على الصواريخ والتكنولوجيا المعقدة. ومع دخوله الخدمة في أواخر الستينيات، أصبح هذا النظام أحد الرموز الصامتة لحرب فيتنام، وركيزة من ركائز الدفاع الأمريكي خلال الحرب الباردة.

كيف وُلد هذا الوحش؟

في أوائل الستينيات، بينما كانت الطائرات الحربية تزداد سرعة وفتكًا، أصبح من الواضح أن أنظمة الدفاع التقليدية لم تعد تفي بالغرض. حينها تقدّمت شركة جنرال إلكتريك بفكرة جريئة: تحويل المدفع الجوي السداسي الأسطوانات M61 Vulcan — المستخدم في الطائرات — إلى نظام أرضي متنقل.

ولم يجدوا منصة أفضل من مدرعة M113 المجنزرة، التي أثبتت كفاءتها في كل الجبهات. ومع هذا الدمج، ولد M163 Vulcan Air Defense System، ليبدأ حقبة جديدة في الدفاع الجوي الأمريكي.

تصميم يستحضر الرهبة

يزن M163 قرابة 12 طنًا، ويتألف من مدفع Gatling-style سداسي الفوهات، قادر على إطلاق ما يصل إلى 3,000 طلقة في الدقيقة من عيار 20 ملم — وهو معدل يجعل أي هدف جوي يفكر مرتين قبل الاقتراب.

نظام التصويب كان بسيطًا لكن فعالًا: منظار بصري بحاسبة مسار، ومحدد مدى راداري. أما الذخيرة، فكانت مزيجًا من القذائف الحارقة المتفجرة والعابرة للدروع، ليصبح السلاح قادرًا على التعامل مع الطائرات الخفيفة، المروحيات، وحتى الأهداف الأرضية.

طاقمه كان يتكون من أربعة: سائق، قائد، رامٍ، ومحمل. ومع قدرته على اجتياز التضاريس الصعبة والمياه الضحلة، كان بإمكان M163 مرافقة المدرعات في كل مكان.

في فيتنام: من الدفاع الجوي إلى الدعم الأرضي

حين وصل M163 إلى أدغال فيتنام، كانت التهديدات الجوية الفعلية محدودة. لكن هذا لم يمنع النظام من لعب أدوار حاسمة، لا سيما في حماية القواعد الأمامية والقوافل العسكرية. بل استخدم أحيانًا كمدفع دعم أرضي، يطلق نيرانه الكثيفة نحو مواقع العدو أو لتغطية تحركات القوات.

معدل إطلاق النار المذهل جعله مرعبًا للعدو، حتى عندما لم يكن يطلق على طائرات. كان يُسمع صوت مدفعه في الأفق، وكأن عاصفة من الحديد قادمة.

خدمة ما بعد الحرب… والانتشار العالمي

استمر استخدام M163 بعد حرب فيتنام في وحدات الدفاع الجوي التابعة للجيش الأمريكي، خاصة في أوروبا الغربية، لمواجهة أي اختراق محتمل من الطيران السوفيتي — وخصوصًا المروحيات وطائرات الدعم القريب مثل Su-25 Frogfoot.

كما دخل الخدمة لدى العديد من الحلفاء، وعلى رأسهم الجيش الإسرائيلي، الذي أطلق عليه اسم “هوفيت”، واستخدمه بفعالية في حرب أكتوبر 1973 وحرب لبنان 1982، حيث شارك في الدفاع الجوي بالتنسيق مع صواريخ “ستنغر”.

نهاية الخدمة… وبداية عصر جديد

لكن مع تقدم الزمن، أصبح من الواضح أن M163 لا يستطيع مواكبة التهديدات الحديثة. فالمقاتلات أصبحت أسرع، وأعلى، وأكثر تطورًا تقنيًا. وفي الثمانينيات، بدأ الجيش الأمريكي سحب النظام تدريجيًا، واستبداله بمنصات أحدث، مثل نظام Avenger الصاروخي وLinebacker المبني على منصة برادلي.

في عام 1993، خرج M163 من الخدمة رسميًا في الجيش الأمريكي، رغم أن بعض الدول احتفظت به حتى أوائل الألفينات.

إرث لا يُنسى

رغم نهاية خدمته، لا يزال M163 Vulcan يُذكَر كعلامة فارقة في تاريخ تطور الدفاع الجوي. ألهم تصاميم أنظمة شبيهة حول العالم، من الـShilka السوفيتي إلى Gepard الألماني، وعلّم الجيوش أن المدفع يمكن أن يكون فعالًا بقدر الصاروخ — في الوقت المناسب، والمكان المناسب.

لقد أثبت أن أنظمة الدفاع الجوي ليست مجرد مظلة من الصواريخ، بل يمكنها أن تكون قوة هجومية مرنة، قادرة على التكيف مع ظروف المعركة كما فعل الوحش الأمريكي في فيتنام.

أقرأ أيضا

“الآن أو لا أبداً”: دعوات فرنسية لإنقاذ “سفينة الحرية” من التحلل والضياع

منةالله خيري

صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى