تحليل الجارديان: رسالة إلى ستارمر ومروجي الحرب لماذا تنفقون المليارات على السلاح بينما القوة الناعمة كانت ستحمينا حقا ؟
لماذا ننفق المليارات على السلاح ونُهمِل "القوة الناعمة"؟

سايمون جنكينز | الخميس 26 يونيو 2025
في وقت تتسابق فيه القوى الغربية لتضخيم ميزانياتها العسكرية، يبدو أن السياسيين – وعلى رأسهم زعيم حزب العمال البريطاني كير ستارمر – يتجاهلون أبسط الحقائق: أن الانخراط والتواصل لا التهديد، هو السبيل الأنجع لحفظ السلام.
فبينما اكتفى الأمين العام لحلف الناتو مارك روته بعبارات مفرطة في التملق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فضّل ستارمر الذهاب إلى أبعد من ذلك، حيث دفع 1.3 مليار دولار ثمناً لـ12 طائرة مقاتلة، التزم بعدم استخدامها دون إذن واشنطن. خطوة اعتبرها الكاتب أقرب إلى “الالتحاق بالقوات الجوية الأمريكية”.
ستارمر، وفق جنكينز، يتخلى تدريجياً عن سياسة “القوة الناعمة” البريطانية لصالح التوجه نحو عسكرة السياسة الخارجية. وهو ما تكرس في الوثائق الأمنية الرسمية التي تحذر من احتمال استهداف بريطانيا على أراضيها.
لكن الحقيقة – كما يقول الكاتب – أن روسيا لم تحاول يومًا غزو بريطانيا، ومع ذلك، هناك صناعات دفاعية كاملة تعيش على رواية “الخطر الروسي”، وتطالب بتدخل عسكري فور أي توتر على حدود روسيا وكأنها حدود بريطانيا.
بعد الحرب الباردة… كان يجب أن نكسب روسيا بالحوار لا بالأسلاك الشائكة
يشير جنكينز إلى أنه في تسعينيات القرن الماضي، كانت روسيا منفتحة بشكل غير مسبوق على الغرب. فالنخب السياسية آنذاك كانت ترسل أبناءها إلى الجامعات البريطانية، وتعقد الحوارات الاستراتيجية وتبدي حماسة للاندماج في أوروبا. لكنه يؤكد أن الغرب – بدلاً من استثمار تلك اللحظة – تمسك بالخطابات العدائية القديمة، وسمح للناتو بالتوسع حتى أبواب موسكو، ما دفع روسيا إلى العودة لمنطق العداء.
القوة الناعمة: سلاح أهملناه
يرى جنكينز أن بريطانيا كانت الدولة الأولى عالميًا في “مؤشر القوة الناعمة” قبل أكثر من عقد، لكنها الآن تتراجع بفعل قرارات ستارمر وحلفائه. فخفض المساعدات الخارجية إلى 0.3% من الناتج القومي – في وقت يزداد فيه نفوذ الصين عبر “قوتها الناعمة” ومبادراتها التعليمية – ليس إلا خطأً إستراتيجيًا فادحًا.
كما أن تقليص التمويل الموجه لخدمات مثل الـBBC World Service، التي يصل بثها لأكثر من 320 مليون مستمع بلغات متعددة، يضر بصورة بريطانيا عالميًا، تمامًا كما تفعل السياسات التي تُبعد الطلاب الدوليين عن الجامعات البريطانية، بعد أن كانوا ركيزة أساسية لقوتها الناعمة.
هل عزل الأنظمة أفضل من احتوائها؟
يشدد جنكينز على أن التواصل الثقافي والأكاديمي والدبلوماسي هو المفتاح الحقيقي للتأثير السياسي، مشيرًا إلى أن عزل الأنظمة الاستبدادية لا يؤدي إلا إلى دفع النخب المعتدلة إلى الهامش أو المنفى، ويترك المجال أمام المتشددين وحدهم.
إن ما فعله الغرب – بحسب المقال – هو خنق أي معارضة داخل روسيا عبر سياسة العزل، ما سمح لصقور الكرملين بالسيطرة الكاملة. واليوم، يبدو أن ستارمر ينضم إليهم في عزف طبول الحرب، بدلاً من مد يد الحوار.