زلازل تكشف عيوب التشييد :تصاعد انهيارات العقارات يضع المنشآت تحت المجهر
العمران في مواجهة الطبيعة: هل تصمد مدننا أمام الكوارث؟

تشهد العديد من المناطق في العالم العربي تزايدًا ملحوظًا في حوادث انهيار العقارات، سواء كانت مأهولة بالسكان أو قيد الإنشاء، ما يثير قلقًا متصاعدًا في الأوساط الهندسية والعمرانية. ويُرجع خبراء هذا التفاقم إلى تداخل عدة عوامل، في مقدمتها الزلازل الأخيرة التي ضربت مناطق مختلفة، إلى جانب ضعف البنية التحتية وتقادم المباني القديمة، وغياب الالتزام التام بمعايير البناء الحديثة.
الزلازل: اختبار قاسٍ للبنية التحتية
شهدت المنطقة خلال العامين الماضيين نشاطًا زلزاليًا غير معتاد، تراوحت قوته بين المتوسطة والشديدة، كان آخرها زلزال بقوة 6.2 درجات على مقياس ريختر ضرب إحدى المدن الساحلية، وتسبب في انهيار عدد من المباني السكنية، وخلّف خسائر مادية وبشرية فادحة.
ويشير الدكتور عصام عبد المنعم، أستاذ هندسة الزلازل بجامعة القاهرة، إلى أن “الزلازل ليست السبب الوحيد للانهيارات، لكنها تكشف مواطن الضعف في البنية التحتية، خاصة في المباني القديمة أو التي شُيدت بدون رقابة هندسية صارمة”، لافتًا إلى أن البناء المقاوم للزلازل لم يُعتمد على نطاق واسع في كثير من المدن العربية رغم التحذيرات المتكررة من احتمالية وقوع هزات أرضية.
المنشآت الحديثة.. بين الالتزام والمعايير الغائبة
رغم أن العديد من العقارات الحديثة يُفترض أنها شُيّدت وفق الكودات الهندسية المقاومة للزلازل، فإن الواقع يكشف عن فجوات في التنفيذ، أبرزها الغش في المواد، وعدم الالتزام التام بالتصميمات الأصلية المعتمدة.
وفي هذا السياق، أشار تقرير صادر عن نقابة المهندسين إلى أن “نحو 35% من الأبنية الحديثة التي فُحصت خلال الأشهر الماضية لا تتوافق بالكامل مع المعايير الفنية المطلوبة لمقاومة الزلازل، بسبب تجاوزات في التنفيذ أو تقليص التكاليف من قبل بعض المقاولين”.
وأضاف التقرير أن الحاجة باتت ماسة إلى مراجعة شاملة لأنظمة التفتيش والسلامة، وإعادة تقييم المباني الحديثة بشكل دوري، لا سيما في المناطق النشطة زلزاليًا.
المباني القديمة.. القنبلة الموقوتة
تُعد المباني القديمة، خاصة تلك التي تجاوز عمرها 40 عامًا، من أكثر المعرضين للانهيار. ومع غياب خطط الترميم والصيانة الدورية، تبقى هذه المباني قنابل موقوتة في قلب الأحياء السكنية.
يقول المهندس وليد الحسن، خبير التخطيط العمراني، إن “العديد من هذه المباني لم تُصمّم أصلاً لتحمّل هزات أرضية، بل تم بناؤها في فترات سابقة بمعايير كانت تُركّز فقط على الاستقرار الرأسي، دون أي احتساب للأحمال الزلزالية الجانبية”.
ويطالب الحسن بضرورة اعتماد برامج رسمية لإعادة تأهيل المباني القديمة، أو إزالتها في حال كانت غير قابلة للترميم، حفاظًا على الأرواح والممتلكات.
الحلول المقترحة.. ما بين التنظيم والرقابة
في ضوء هذه التطورات، يطالب متخصصون بسن قوانين أكثر صرامة في قطاع البناء، وتفعيل دور الجهات الرقابية الهندسية، إلى جانب تعزيز وعي المواطنين بخطورة شراء أو السكن في مبانٍ غير مطابقة للمواصفات.
كما دعا تقرير للهيئة العامة للمساحة الجيولوجية إلى إنشاء خرائط تفصيلية للمخاطر الزلزالية في المدن الكبرى، تكون مرجعًا إلزاميًا عند التخطيط لأي مشروع عمراني جديد، وخاصة في المناطق القريبة من الصدوع الزلزالية.
الحذر واجب والمحاسبة ضرورة
إن تزايد حالات انهيار العقارات لا يمكن النظر إليه باعتباره حوادث متفرقة، بل هو مؤشر على خلل أعمق في منظومة البناء والتخطيط الحضري. وبينما تبقى الزلازل خطرًا طبيعيًا لا يمكن منعه، فإن الاستعداد له والتقليل من تداعياته مسؤولية تشاركية بين الدولة والمهندسين والمواطنين.