حوادث وقضايا

تصاعد نفوذ المتشددين العسكريين في إيران:تحول جذري قد يعيد تشكيل المنطقة

صعود العسكر في إيران: تحول جذري يعيد تشكيل المنطقة

 

بينما كانت الصواريخ الإيرانية تعبر سماء الدوحة، في سابقة خطيرة تنذر بامتداد الحرب إلى عمق الخليج العربي، كانت موازين القوى داخل طهران نفسها تشهد زلزالًا سياسيًا غير مسبوق. للمرة الأولى منذ الثورة الإسلامية عام 1979، بدأت المؤسسة العسكرية الإيرانية، وعلى رأسها الحرس الثوري، في السيطرة على مقاليد الحكم متجاوزة المؤسسة الدينية التي طالما شكلت العمود الفقري للجمهورية الإسلامية. وبينما تحتدم المواجهة مع إسرائيل والولايات المتحدة، بدأت ملامح نظام إيراني أكثر تشددًا وميلاً إلى التصعيد تتشكل في الأفق، مدفوعة بمخاوف وجودية ومطامح قومية وميراث دموي من الصراعات.

 

 هجوم غير مسبوق… وحرب تصل إلى الخليج

في 23 يونيو، تحدّت إيران تحذيرات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وشنّت ضربات صاروخية على قواعد أمريكية في قطر والعراق. وبينما كانت الصواريخ تمر فوق ناطحات سحاب الدوحة، بدا أن الحرب لم تعد مقتصرة على حدود إيران، بل باتت تمسّ مناطق الخليج الحيوية. اللافت أن هذه الهجمات جاءت متزامنة مع تحوّل خطير داخل إيران نفسها: انحسار دور رجال الدين لصالح العسكر، وتحديدًا الحرس الثوري، ما يفتح الباب أمام نهج أكثر عدوانية وغير محسوب في المرحلة المقبلة.

 

 صراع بقاء… ومخاوف من سقوط النظام

تدفع النخبة الإيرانية بهذا التحوّل العسكري كردّ على ما تعتبره محاولة أمريكية لإسقاط النظام. إذ صرّح ترامب بوضوح يوم 22 يونيو متسائلًا: “ولماذا لا يكون هناك تغيير في النظام؟”. وفي حين أدّت الضربات الأمريكية غير النووية إلى توحيد بعض قطاعات الشعب الغاضبة حول قيادتهم، فإن المتغير الأهم تمثل في صعود العسكريين على حساب رجال الدين، للمرة الأولى منذ قيام الجمهورية الإسلامية.

 

 خامنئي في الظل… والشورى العسكرية في الواجهة

المرشد الأعلى علي خامنئي، البالغ من العمر 86 عامًا، دخل حالة من العزلة لأسباب أمنية، وجرى تفويض قرارات الحرب إلى مجلس شورى جديد يهيمن عليه الحرس الثوري. ووفقًا لمراقبين، فإن “البلاد تُدار فعليًا تحت حكم عسكري”، مما يشير إلى فرض أمر واقع جديد قد لا يكون مؤقتًا. الحرب إذًا، لم تعد فقط مواجهة مع الخارج، بل أداة لإعادة رسم الداخل.

 

نهاية “الصبر الاستراتيجي” وصعود المتشددين الشباب

باغتيال القادة التاريخيين للحرس الثوري، وعلى رأسهم قاسم سليماني عام 2020، وغياب الشخصيات التي تبنّت “الصبر الاستراتيجي”، ظهر جيل جديد داخل القيادة العسكرية يتّسم بالاندفاع والتطرف الأيديولوجي. هؤلاء يرون في الحرب فرصة لاستعادة الكرامة الوطنية، ويؤمنون بنهج المواجهة الشاملة، في تناقض صارخ مع التيار الإصلاحي الذي كان يناقش إمكانية التخلي عن الخطاب المعادي لإسرائيل.

 

 تماسك مفاجئ داخل منظومة كانت متصدعة

قبل عام واحد فقط، كانت الانقسامات تعصف بالحرس الثوري، مع صراعات بين رجال الأعمال والعسكريين والتيارات الأيديولوجية المختلفة، بلغت ذروتها عقب حادث تحطم مروحية الرئيس الإيراني السابق عام 2024. لكن الحرب الأخيرة وحدت الصفوف. اليوم، يبدو أن تلك الصراعات الداخلية قد تراجعت لصالح وحدة جديدة ضد عدو خارجي مشترك.

 

 الشارع الإيراني: بين السخط القومي والتعبئة الوطنية

رغم الغضب الشعبي من سياسات الحرس الثوري وإنفاقه الهائل على الحروب بالوكالة، فإن الحرب الحالية أعادت تأجيج النزعة الوطنية. وبينما حاولت إسرائيل استغلال حالة التململ الشعبي، فإن اتساع رقعة القصف ليشمل رموزًا مدنية، مثل بوابة سجن إيفين، دفع العديد من الإيرانيين إلى الاصطفاف خلف النظام. عادت مشاعر الفخر العسكري، وحتى بعض من كانوا يناصرون إسرائيل باتوا يسلّمون العملاء المشتبه بهم للشرطة.

 

تبخّر خيار التفاوض… وأوهام الحل الدبلوماسي

لطالما رفض المتشددون في إيران التفاوض مع واشنطن، مستشهدين بنماذج مثل القذافي وصدام حسين اللذين قدّما تنازلات فنية ثم أطاحت بهما واشنطن. لكن حتى المعتدلين باتوا يشعرون بالخيانة، خاصة بعد أن قادت محادثات 15 يونيو إلى شعور كاذب بالأمان، استغلته إسرائيل لتوجيه ضربات موجعة لمواقع نووية. ووسط هذا المناخ، يُناقش في البرلمان الإيراني مشروع قانون للخروج من معاهدة حظر الانتشار النووي، ما يهدد بانفجار كبير قادم.

 

إيران جديدة: أقل دينيًا وأكثر شراسة

ربما يحمل صعود العسكر نهاية لنفوذ رجال الدين داخل مؤسسات الدولة، ما قد يؤدي إلى تخفيف بعض القيود الاجتماعية كما ظهر في الإعلام الرسمي مؤخرًا. لكن هذا التحول قد يُنذر بولادة نظام أشد قمعًا وأكثر عدوانية، يضع المواجهة العسكرية كأداة أساسية للحكم، ويُهمّش أي دعوات داخلية للإصلاح أو الانفتاح. المفارقة أن الغرب، الذي طالما رأى في الحكم الديني الإيراني مصدرًا للتهور، قد يجد نفسه الآن في مواجهة خصم أكثر تنظيمًا وعقلانية عسكرية… لكنه أشد خطرًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى