التضخم يتراجع في مصر: قراءة في الأسباب وتوقعات السياسات النقدية المقبلة

في مشهد اقتصادي تتعطش له الأسواق منذ سنوات، تراجع معدل التضخم السنوي في مصر ليبلغ 12.6% في مارس 2025، مقابل 12.8% في فبراير، بحسب أحدث تقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
قد يبدو الانخفاض هامشيًا للوهلة الأولى، لكن في عالم الاقتصاد، الأرقام الصغيرة تُخفي تحوّلات كبيرة. فهل يعني هذا التراجع بداية حقيقية لتخفيف القيود النقدية، أم أنه مجرّد هدنة مؤقتة قبل موجة جديدة من الغلاء؟
كل الأنظار تتجه نحو اجتماع البنك المركزي المصري في 17 أبريل، حيث سيكون لهذا الرقم وقع لا يُستهان به في رسم ملامح المرحلة المقبلة.
أولًا: ما العوامل التي دفعت التضخم للهبوط؟
1. قوة الجنيه بعد التعويم المرن:
منذ قرار تحرير سعر الصرف بشكل أكثر مرونة بداية العام، شهد الجنيه المصري تحسنًا أمام العملات الأجنبية، ما أدى إلى تقليص تكاليف الاستيراد وتخفيف عبء الأسعار المستوردة، خاصة في السلع الغذائية والدوائية.
2. استقرار أسعار الطاقة والوقود نسبيًا:
بقاء أسعار الوقود دون زيادات جديدة ساهم في تقليل الضغوط التضخمية على قطاعي النقل والإنتاج، وهو ما انعكس بدوره على أسعار السلع النهائية.
3. تدخلات الدولة لضبط الأسواق:
تكثيف معارض “أهلاً رمضان” وزيادة المعروض السلعي عبر المجمعات الحكومية خفف الضغط على الأسعار، إلى جانب رقابة صارمة من جهاز حماية المستهلك.
4. تشديد السياسة النقدية سابقًا:
رفع البنك المركزي للفائدة في عدة مناسبات خلال العام الماضي قلل من الإنفاق الاستهلاكي، وبالتالي ساهم في تهدئة وتيرة التضخم تدريجيًا.
ثانيًا: ما دلالات هذا التراجع على السياسة النقدية؟
مع اقتراب اجتماع البنك المركزي في 17 أبريل، تعيش الأسواق في حالة ترقب، والسؤال الحاسم هو: هل حان وقت تغيير الاتجاه؟
السيناريوهات المحتملة:
تثبيت أسعار الفائدة:
وهو الخيار المرجح إذا اعتبر البنك المركزي أن التراجع الحالي لا يزال هشًا، وأن الوقت لم يحن بعد لأي تيسير نقدي.
خفض تدريجي للفائدة:
قد يُفتح الباب أمامه إذا استمر التضخم في الانخفاض خلال أبريل ومايو، خصوصًا مع مؤشرات لتعافي النشاط السياحي وزيادة التدفقات الأجنبية.
مفاجأة السوق برفع جديد للفائدة:
ولو بنسبة طفيفة، قد يفضله المركزي كإجراء احترازي لتثبيت الاتجاه النزولي للتضخم، خاصة مع تقلبات أسعار الغذاء عالميًا.
ثالثًا: هل نشهد بداية الانفراجة؟
“التضخم يهدأ… فهل يزدهر الاقتصاد؟”
سؤال يُطرح بقوة، فمصر تمر بمرحلة دقيقة من الإصلاحات الهيكلية والشراكات الاستثمارية الاستراتيجية، لكن:
الشارع لا يزال يشعر بعبء الأسعار.
معدلات الفقر لم تنخفض بعد بالوتيرة المرجوة.
القطاع الخاص يحتاج لجرعة ثقة جديدة عبر تيسير السياسات….
إذا تمكّن صانع القرار النقدي من البناء على هذا التراجع وتوفير بيئة مستقرة ومحفزة للاستثمار، فقد يكون مارس 2025 هو نقطة بداية فعلية لخروج الاقتصاد المصري من عنق الزجاجة.
الرقم قد يكون صغيرًا، لكنه يُحدث ضجيجًا في غرف السياسة النقدية والمالية.
انخفاض التضخم إلى 12.6% ليس فقط عنوانًا اقتصاديًا، بل ربما يُمثّل بداية قصة جديدة لمصر مع الاستقرار، والجنيه، والاستثمار.