ترامب لا يدرك أن الحرب الدائمة هي الخيار الوحيد لنتنياهو وبوتين
ترامب... الرجل الذي ظن أن الكاريزما كافية لصنع السلام

في مشهد يعكس التواطؤ لا المصادفة، أجرى بنيامين نتنياهو وفلاديمير بوتين مكالمة هاتفية “ودّية” بمناسبة الذكرى الثمانين لهزيمة النازية. لكن هذه المكالمة لم تكن مجرد بروتوكول، بل كانت رمزًا لتقارب زعيمين يتقاسمان رؤية مشوهة للتاريخ وللحاضر أيضًا: كلاهما يدّعي مواصلة “الحرب على النازيين”، بوتين في أوكرانيا ونتنياهو في غزة. هذا الادعاء، الذي يفتقر إلى أدنى درجات الصدق، لا يُستخدم إلا كغطاء لتبرير جرائم مروّعة بحق المدنيين، من الأطفال إلى النساء والشيوخ، ومن الأبرياء إلى المقاتلين.
بقاء الطغاة مرهون بالفوضى
الزعيمان – بوتين ونتنياهو – لا يشنّان الحروب لمواجهة تهديد وجودي، بل لأن استمرار الحرب هو شرط أساسي لبقائهما السياسي. في ظل الحرب، تتوارى المساءلة، ويُسكت الخصوم، ويُتهم المعارضون بالخيانة أو “التعاطف مع الإرهابيين”. الحرب تمنحهم الشرعية، وتمنح شعوبهم الخوف بدلاً من الأمل. لكن الأخطر من ذلك أن كليهما أصبح مطلوبًا للعدالة الدولية: بوتين بموجب مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، ونتنياهو متّهم بارتكاب جرائم حرب وتطهير عرقي.
منع السلام بأي ثمن
من أكثر الحقائق المقلقة أن هذين الزعيمين لا يريدان السلام. إن تحقيق سلام دائم سيكون بمثابة كارثة سياسية لهما. بوتين يعرف أن توقف الحرب في أوكرانيا سيفتح الباب أمام محاسبة داخلية على آلاف القتلى والانهيار الاقتصادي. أما نتنياهو، فمجرد انتهاء الحرب يعني خوض انتخابات قد تطيح به نهائيًا، وفتح ملفات فساد قد تقوده إلى السجن. لذا، فكل منهما يهرب من السلام كما يهرب من العدالة.
ترامب: السذاجة تلبس عباءة الزعامة
وهنا يأتي دور دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي الذي يتعامل مع ملفات الحرب والسلام كما يتعامل مع صفقات العقارات – بالغرور والثقة المفرطة بالنفس. ترامب، في محاولاته الفاشلة لفرض السلام “بقوة الشخصية”، فشل في فهم عمق أزمة الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية. لقد أصبح أداة في أيدي نتنياهو وبوتين، أكثر من كونه صانع سلام أو وسيط نزيه.
مثلث الشر السياسي
التحالف الضمني بين ترامب ونتنياهو وبوتين لم يعد خفيًا. بل هو اليوم العقبة الكبرى أمام أي تسوية سلمية. ترامب يغضّ الطرف عن جرائم نتنياهو في غزة، ويسعى إلى تقويض الجهود الأوروبية لفرض هدنة على بوتين في أوكرانيا. بل إنه عندما تحدث إلى الرئيس الروسي مؤخرًا، تراجع عن دعم موقف الحلفاء الأوروبيين، مانحًا بوتين انتصارًا دبلوماسيًا مجانيًا.
استغلال الدماء لتحقيق مكاسب سياسية
نتنياهو يستخدم صدمة هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023 كذريعة مفتوحة لتدمير غزة وتوسيع حربه إلى لبنان وسوريا واليمن – وربما إيران. بوتين بدوره يواصل حربه العبثية في أوكرانيا، مدعومًا بخطاب “مناهضة النازية” الذي فقد معناه تمامًا. والاثنان يعلمان أن أي وقف لإطلاق النار سيعني بداية نهاية سلطتهما.
ترامب… بائع متجول في سوق الحروب
خلال جولته الأخيرة في الخليج، بدا ترامب أقرب إلى بائع جوال منه إلى رئيس لأقوى دولة في العالم. يتعامل مع القضية الفلسطينية بلا أي تعاطف حقيقي، ويسعى فقط لتقليص أضرار تصرفات نتنياهو التي باتت محرجة لواشنطن. ومع فشل مشروعه المسمّى بـ”ريفييرا غزة”، خفت اهتمامه تمامًا بالملف، كأن الدماء التي سالت لم تكن سوى أرقام في نشرات الأخبار.
الحل… تجاهل ترامب ومواجهة الطغاة
إذا كانت هناك رغبة حقيقية لإنهاء هذه الحروب، فلا بد من إقصاء ترامب عن المشهد التفاوضي. يجب أن يُترك الأمر للدبلوماسيين المحترفين، وللمؤسسات الأممية، وللوسطاء العرب والأوروبيين. ترامب ليس الحل، بل هو جزء من المشكلة. ومثل الطبيب الجاهل الذي يخطئ في التشخيص، يزيد الطين بلّة كلما تدخل.
ختامًا: إلى متى سيُترك القتلة أحرارًا؟
كل يوم يتأخر فيه العالم عن اتخاذ موقف حازم ضد بوتين ونتنياهو، يُقتل فيه مزيد من الأطفال. وكل لحظة يُمنح فيها ترامب حرية العبث بالسياسات الخارجية، تبتعد فرص السلام أكثر. العالم بحاجة إلى شجاعة سياسية حقيقية، لا إلى خطب استعراضية فارغة. إن إنهاء عهد بوتين ونتنياهو ليس خيارًا أخلاقيًا فحسب، بل ضرورة أمنية وإنسانية أيضًا.