واشنطن تحتضن "وورلد برايد" بين أجواء احتفالية ومخاوف سياسية متزايدة
الفعالية العالمية تُقام وسط تراجع الدعم وتوتر أمني ومقاطعات دولية ملحوظة

تزينت شوارع واشنطن العاصمة بألوان قوس قزح، وعلّقت لافتات ترحيبية على أعمدة الإنارة وواجهات المباني الرسمية والتجارية، إيذانًا بانطلاق فعاليات “وورلد برايد” – أكبر مهرجان عالمي لمجتمع الميم (LGBTQ+). ورغم الأجواء الاحتفالية المبهجة التي طغت على المشهد العام، من تزيين الأرصفة والممرات ورفع أعلام الفخر، ظل شعور بالقلق يخيّم على المجتمع والمنظمين، نتيجة العودة المثيرة للجدل للرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
عمدة العاصمة: التفاؤل لا يُخفي المخاوف
في مؤتمر صحفي خاص بالمناسبة، وصفت عمدة واشنطن، موريل باوزر، مدينتها بأنها “الأكثر فخرًا في العالم”، داعية السكان للتفاعل الإيجابي مع الفعالية. إلا أن رسالتها لم تكن كافية لطمأنة العديد من الناشطين وقادة المجتمع، الذين عبّروا عن خيبة أملهم وشعورهم بأن “وورلد برايد” هذا العام لا يعكس ما كانوا يطمحون إليه، خصوصًا في ظل التغييرات السياسية الجارية
تطلعات كبرى تصطدم بالواقع
كان المنظمون يتوقعون استقبال أكثر من ثلاثة ملايين زائر من داخل الولايات المتحدة وخارجها، ما كان سيشكل دفعة قوية للاقتصاد المحلي، خاصة بميزانية بلغت 5 ملايين دولار خُصصت للفعالية. إلا أن سياسات ترامب الجديدة، خصوصًا تلك التي تمس حقوق المتحولين جنسيًا وتحد من مبادئ الشمول، أحدثت قلقًا واسعًا. بعض الشركات الراعية انسحبت، بينما فضّلت منظمات دولية عدم المشاركة.
تحذيرات دولية ومقاطعات رسمية
القلق تجاوز حدود الولايات المتحدة، مع صدور تحذيرات من عدة حكومات أوروبية، من بينها ألمانيا والدنمارك وأيرلندا، طالبت فيها أفراد مجتمع الميم بتوخي الحذر قبل زيارة أمريكا. التحذيرات شملت أيضًا إشارات لاحتمال تعرض الأشخاص ذوي الهويات الجندرية غير النمطية لصعوبات في إجراءات الدخول. كما أعلنت منظمات كندية وأفريقية عن مقاطعتها للفعالية، احتجاجًا على السياسات الأخيرة، رغم نفي السلطات الأمريكية وجود أي قيود رسمية على أساس الهوية الجنسية.
تراجع الدعم… لكن الروح مستمرة
ريان بوس، المدير التنفيذي لتحالف “برايد كابيتال”، أعرب عن أسفه لعدم انعقاد الحدث في ظل حكومة داعمة للمجتمع، مشيرًا إلى انسحاب عدد من الشركات خوفًا من تداعيات سياسية. ومع ذلك، شدد على أهمية “وورلد برايد” كرمز للفخر والمقاومة. أما في حي “يونايتد ستريت”، فيستعد أصحاب الحانات لاستقبال الزوار، رغم شعورهم بأن الفعالية فقدت جزءًا من زخمها الأصلي.
إلغاء حفلات… وفعاليّات مستمرة
من أبرز خيبات الأمل كان إلغاء الحفل الافتتاحي الذي كانت ستحييه الفنانة شاكيرا في ملعب ناشونالز، لأسباب تتعلق بالإنتاج. ورغم ذلك، أكّد المنظمون استمرار باقي الفعاليات، مع توقع ذروة الاحتفال يومي 7 و8 يونيو، عبر مسيرات ضخمة وحفلات موسيقية لفنانين مثل سينثيا إريفو وDoechii. غير أن مؤشرات الحضور لا تبدو مشجعة، إذ أظهرت البيانات انخفاضًا في الحجوزات الفندقية وتراجعًا متوقعًا في عدد الزوار الدوليين بنسبة 10%.
قطاع الأعمال في حالة ترقّب
على الرغم من التحديات، لا يزال القطاع التجاري والسياحي يأمل في جني بعض الفوائد من المهرجان. فمثلاً، في فندق موناكو، تخطط مديرة مطعم “Dirty Habit”، ستيفاني كاري، لتنظيم معرض فني وفطور استعراضي بمشاركة ملكة الدراج الشهيرة أليسا إدواردز. وتقول كاري إنها “متفائلة بحذر” رغم الظروف.
الأمن في حالة تأهب قصوى
تزامنًا مع التوترات السياسية وحوادث أمنية مؤسفة، مثل إطلاق النار خارج متحف التراث اليهودي، رفعت الشرطة من مستوى استعدادها. وصرّحت قائدة شرطة واشنطن، باميلا سميث، بأنه لا توجد تهديدات مؤكدة، لكن جميع الاحتمالات تؤخذ على محمل الجد لضمان سلامة المشاركين.
الفن والمجتمع… منصات للشفاء
رغم التحديات، يسعى البعض لتحويل “وورلد برايد” إلى مساحة للتعافي والتعبير. فمتحف التراث اليهودي يعرض معرضًا جديدًا تحت عنوان “اليهود الكويريون في العاصمة الفيدرالية”، يوثّق التقاء نضالَي المجتمعين. وفي مقهى “As You Are”، الذي تديره زوجتان من مجتمع الكوير، تُقام فعاليات متنوعة تتراوح بين الرقص والكاريوكي وسرد القصص، في محاولة لخلق مساحة مفعمة بالأمل والصمود.
واشنطن: مدينة صغيرة بروح عالمية
تختم جو ماكدانيال، إحدى مالكات المقهى، بقولها: “رغم التوترات، هذه فرصة لنُظهر للعالم أن ضيافة واشنطن فريدة من نوعها… مدينة صغيرة بما يكفي لتشعر فيها بالدفء، وكبيرة بما يكفي لاحتواء الجميع.”