المدونةعلوم اجتماعية وانسانية

الجلوس أمام المنازل بإسبانيا تقليد اجتماعي مهدد في عصر الرقمنة

انتقادات واسعة لمنشور شرطة محليّة أثار جدلاً حول طقوس الجيرة القديمة

في جنوب إسبانيا، اضطر عمدة بلدة صغيرة إلى توضيح أن لا وجود لأي قرار رسمي يمنع النساء المسنات من الجلوس على الأرصفة أمام منازلهن.

جاء هذا التصريح عقب موجة غضب على مواقع التواصل الاجتماعي، أثارها منشور لشرطة مدينة “سانتا في” يطلب من السكان الالتزام بالذوق العام وتجنب الجلوس في الشوارع خلال الليل من أجل راحة الجيران.

صورة بريئة تشعل غضب الشارع

رغم أن المنشور لم يفرض أي عقوبات، بل اكتفى بالتذكير بأن الأماكن العامة تخضع لتنظيمات، فإن ما أثار الجدل كان صورة مرفقة تظهر ست نساء مسنات يجلسن بهدوء على كراسٍ بلاستيكية يتبادلن الحديث، دون أي سلوك مزعج. هذا المشهد البسيط اعتُبر إهانة لتقاليد الجيرة.

تقاليد راسخة تثير حساسية المجتمع

ردود الفعل عبر مواقع التواصل عكست مدى حساسية المجتمع الإسباني تجاه تقاليد الجيرة، خاصة تلك المتعلقة بكبار السن.

وعلّق البعض بسخرية على الحملة قائلين: “طاردوا تجار المخدرات بدلاً من النساء المسنات!”، مؤكدين على قيمة هذه العادات البسيطة في حياة المجتمع.

طقس اجتماعي يتراجع تدريجيًا

عادة الجلوس أمام المنازل ليست مجرد سلوك عابر، بل طقس اجتماعي متجذر منذ قرون، يربط النساء بتاريخهن في الفضاء العام.

لا يزال هذا الطقس شائعًا في القرى والمدن الصغيرة، خاصة في الصيف، لكنه يتلاشى تدريجيًا بسبب تراجع الكثافة السكانية في الريف.

تحولات المشهد في المدن الكبرى

في المدن الكبرى، لم تعد مشاهد الكراسي على الأرصفة مألوفة، لكن مفهوم التفاعل في الفضاء العام لم يختفِ.

يظهر اليوم بأشكال أخرى، مثل الجلوس في مداخل العمارات أو على المقاعد العامة، ويؤدي دورًا مهمًا في التواصل اليومي، كما حدث خلال انقطاع الكهرباء حين أصبحت تلك اللقاءات وسيلة لتبادل النصائح وحتى المساعدة التقنية.

من “الفيلاندون” إلى فعاليات ثقافية معاصرة

في إقليم ليون شمال غربي إسبانيا، كانت النساء في الماضي يجتمعن حول الموقد في أمسيات الشتاء فيما يُعرف بـ”الفيلاندون”، حيث يُغزل الصوف وتُروى الحكايات.

هذا التقليد يعود اليوم من خلال فعاليات أدبية تقام في الطبيعة، يقودها كتّاب محليون يسعون لإحياء التراث.

التواصل اليومي.. تراث حي في القرى

في شمال منطقة “لاريوخا”، لا تزال النساء يمارسن طقس الجلوس أمام المتاجر لخياطة “الإسبادريل”، في مشاهد تعكس تواصلاً يوميًا عفويًا يحمل في طياته دعمًا اجتماعيًا وثقافة حوار تمتد لعقود.

من يملك الفضاء العام؟

في مدريد، حيث تُشجع البلدية ذات التوجه المحافظ توسيع نفوذ المقاهي والمطاعم على الأرصفة، باتت المساحات العامة المجانية تتناقص. المفارقة هنا أن الدعوة لاحترام الفضاء العام كثيرًا ما تتحول إلى ذريعة لتحويله إلى مساحة ربحية، ما يطرح تساؤلات حول العدالة في استخدامه.

نماذج إيجابية لا تزال قائمة

رغم الاتجاه نحو الخصخصة، تبرز أمثلة ناجحة مثل ساحة “أولافيدي” في مدريد، التي تحوّلت إلى منطقة للمشاة تجمع بين الأطفال، وكبار السن، والمراهقين، والقرّاء، وحتى الحيوانات الأليفة. إنها مساحة يشارك فيها الجميع دون الحاجة إلى الشراء أو الاستهلاك.

مقعد بسيط.. بداية لبناء المجتمع

في عصر تهيمن فيه الوحدة الرقمية والتفاعل الافتراضي، تصبح الأحاديث البسيطة في الشارع فعل مقاومة للعزلة وبداية لتكوين مجتمع حقيقي

. قد لا تبني الكراسي البلاستيكيةوحدها نسيجًا اجتماعيًا متينًا، لكنها بلا شك نقطة انطلاق ضرورية.

علياء حسن

علياء حسن صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى