حوادث وقضايا

ازمه روحيه في وادي السيليكون:مسلموا شركات التكنولوجيا الكبري في مواجهة سؤال هل عملي حلال ؟

"الموظفون المسلمون في شركات التكنولوجيا الأمريكية يصطدمون بقيمهم الدينية وسط حرب غزة"

 

في ظل تزايد انخراط شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة في دعم العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، يواجه الموظفون المسلمون في هذه المؤسسات معضلة أخلاقية وإيمانية: هل الاستمرار في هذه الوظائف يتماشى مع تعاليم الإسلام؟

 

في أبريل الماضي، وخلال احتفال مايكروسوفت بمرور خمسين عامًا على تأسيسها، قامت الموظفة إبتِهال أبو سعد بإرسال رسالتين إلكترونيتين قبل أن تُفصل من عملها بسبب احتجاجها العلني على عقود الشركة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي.

 

الرسالة الأولى وجهتها إلى زملائها تدعوهم إلى رفض عقود الشركة التي تقدم خدمات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي للجيش الإسرائيلي.

 

أما الثانية، فكانت موجهة إلى قائمة “المسلمين في مايكروسوفت” وجاء في عنوانها: “رمزنا يقتل الفلسطينيين”.

 

قالت أبو سعد لصحيفة الغارديان إنها أرادت أن تنقل رسالة واضحة: أن رفض العمل مع جيش متهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية ليس مجرد موقف مهني أو سياسي، بل التزام ديني. وأضافت:

 

“أردت أن أذكرهم بأن أرزاقنا من الله، وينبغي أن تكون نقية لا تساهم في الظلم”.

 

احتجاجات متصاعدة وشكوك متزايدة

منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023، يشهد قطاع التكنولوجيا الأمريكي موجة متزايدة من الاعتراضات الداخلية على عقود الدعم التقني والعسكري لإسرائيل.

نظّم الموظفون وقفات احتجاجية وكتبوا مقالات رأي، فيما قدّم البعض استقالاتهم، وتعرّض آخرون للفصل التعسفي.

 

ومع استمرار الحرب وتزايد الضحايا المدنيين في غزة، أصبح عدد متزايد من الموظفين المسلمين يتساءلون بجدية إن كان عملهم لا يزال متوافقًا مع مبادئ دينهم، خاصة في ظل الاتهامات الموجهة لتلك الشركات بلعب دور غير مباشر في حملة إسرائيل التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها تحمل “خصائص الإبادة الجماعية”.

 

قال أحد موظفي مايكروسوفت:

 

“صرت أصلّي يوميًا وأسأل الله: هل استمراري هنا مقبول دينيًا؟ لا يبدو أن من الصواب لمسلم أن يواصل العمل في شركة تدعم هذا العدوان”.

 

لحظة مفصلية: عندما يصطدم الإيمان بالوظيفة

احتجاج إبتِهال أبو سعد وزميلتها فانيا أغراوال في أبريل كان نقطة تحوّل لكثير من الموظفين، خاصة المسلمين. فالصورة التي التقطت لأبو سعد، وهي ترتدي الحجاب وتخاطب رئيس قسم الذكاء الاصطناعي في مايكروسوفت مصطفى سليمان بوصفه “مستفيدًا من الحرب”، دفعت كثيرين إلى إعادة التفكير في مدى مشاركتهم في هذا النظام.

 

وقالت أبو سعد إن عددًا كبيرًا من الموظفين تواصلوا معها بعدها، بعضهم للتعبير عن نيتهم الاستقالة، وآخرون للانضمام إلى حركة “لا أزور من أجل الفصل العنصري” (No Azure for Apartheid) التي نشأت داخل مايكروسوفت، والتي تقود احتجاجات داخلية ضد العقود العسكرية.

 

تضارب الرؤى داخل العائلات

الضغوط لا تقتصر على مكان العمل. بعض الموظفين تحدثوا عن صراع داخلي مع عائلاتهم بشأن قرار الاستقالة. أحد موظفي غوغل قال إن والده عارض قراره بالرحيل، معتبراً أن الله رزقه بهذه الوظيفة وأن تركها “تخريب ذاتي”. الموظف ردّ بالقول:

 

“أنا الآن في حالة روحية سلبية. عملي يؤذي الناس يوميًا. لا يمكنني مساعدة أحد وأنا أساهم في إيذائه”.

 

شبهات تعاقدات عسكرية.. وتبريرات رسمية

رغم نفي مايكروسوفت أن تقنياتها تُستخدم في قصف المدنيين، أظهرت تقارير عديدة – من بينها تحقيق مشترك لـالغارديان وموقعي +972 وLocal Call – أن للشركة “وجودًا عسكريًا واسعًا” في البنية التحتية الإسرائيلية. كما أكدت تقارير لوكالة أسوشيتد برس أن تقنيات مايكروسوفت تُستخدم في مراقبة الفلسطينيين.

 

بدورها، توفر كل من غوغل وأمازون خدمات حوسبة سحابية وذكاء اصطناعي ضمن اتفاقية “مشروع نيمبوس” البالغ قيمتها 1.2 مليار دولار، والتي تشمل تقديم أدوات تحليل صور وكشف الأجسام لصالح الجيش الإسرائيلي.

 

الإفتاء في زمن السيليكون

وسط هذه المعضلة، لجأ عدد من الموظفين المسلمين إلى علماء دين بارزين، بينهم الإمام عمر سليمان، رئيس معهد يقين للدراسات الإسلامية في تكساس، طلبًا لفتوى واضحة. لكن الجواب كان معقدًا.

 

قال سليمان:

 

“المسألة ليست دائمًا واضحة، كما هو الحال في من يعمل في متجر خمور. أحيانًا يعمل الشخص في سوبرماركت يبيع كل شيء، من بينها الخمر”.

 

بين الرحيل والمقاومة من الداخل

في ظل غياب موقف شرعي قاطع، انقسم الموظفون إلى ثلاث فئات: من استقال بالفعل، ومن يقاوم من الداخل عبر التنظيم والاحتجاج، ومن يشعر بالضياع الروحي وغير قادر على اتخاذ قرار.

 

أحد موظفي غوغل قال:

 

“أنا فقط أريد أن أعود إلى حالة الحياد الأخلاقي. لا أحاول إنقاذ القضية من خلال استقالتي، فقط أحاول ألا أكون شريكًا في الجريمة”.

 

في المقابل، يرى بعض الموظفين أن البقاء في الداخل ضروري لمحاولة تغيير السياسة من الداخل، ولمنع أن يشغل مكانهم شخص قد يدعم إسرائيل علنًا.

 

الاستقالات تمتد إلى المنطقة العربية

لم تكن ردة الفعل محصورة في مكاتب الشركات داخل الولايات المتحدة. ففي مكتب مايكروسوفت بالقاهرة، تسببت احتجاجات أبو سعد وأغراوال في تنظيم يوم عطلة جماعي لأكثر من 100 موظف، احتجاجًا على عقود الشركة مع إسرائيل. إحداهن قالت إنها اتخذت قرار الاستقالة بعد أن شاهدت ردود فعل القيادات على الاحتجاج، حيث رأت في ضحكة الرئيس التنفيذي ساتيا ناديلا “استهزاءًا بمعاناة الفلسطينيين”.

 

رسالة أخيرة: لا ترحلوا بهدوء

رسالة الناشطة نسرين جرادات – إحدى موظفات مايكروسوفت – كانت واضحة، إذ دعت زملاءها إلى عدم مغادرة الشركة بصمت إذا قرروا الاستقالة احتجاجًا على دعمها للعنف في غزة:

 

“إذا قررت ترك مايكروسوفت لتتوقف عن التواطؤ في الإبادة الجماعية، فلا تذهب بهدوء”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى