عربي وعالمي

حين يتحول السلام إلى صراخ: انفجار يهز كنيسة في دويلعة.

مار إلياس شاهدٌ على الألم... ومذبحه مغطى بدماء المسيحيين.

في لحظة كان يُفترض أن تكون مكرسة للصلاة والسكينة، دوّى صوت انفجار عنيف في كنيسة بمنطقة دويلعة، شرق العاصمة السورية دمشق، ليقلب القداسة إلى كارثة، والأمل إلى فاجعة. الحادثة التي وقعت عصراً، خلال وجود مصلين داخل الكنيسة، أسفرت عن ارتقاء شهداء وجرحى، معظمهم من المدنيين الأبرياء، بينهم نساء وأطفال. وأصوات الترانيم اختلطت بصراخ المصابين، وبدلًا من أن يُرفع البخور، تصاعد الدخان الكثيف، وارتجّت الجدران المقدسة تحت وقع العنف.

دمشق تنزف من جديد:

شهدت العاصمة السورية عشرات التفجيرات منذ بداية الحرب، لكنها لا تزال تُفجع كل مرة حين يطال الأذى أحد معالمها الدينية. كنيسة دويلعة لم تكن مجرد مبنى، بل مركز روحي واجتماعي يحتضن أبناء الحي في لحظات الفرح والحزن، ويقدّم يد العون للمحتاجين.

الانفجار، يعيد للأذهان صوراً مؤلمة من سنوات الصراع، لكنه يختلف هذه المرة بأن الضربة استهدفت ملاذاً آمناً، مكاناً يُفترض أن يكون بمنأى عن العنف.

ضحايا لا ذنب لهم

شهادات من موقع الحدث أكدت أن الانفجار وقع أثناء وجود عدد كبير من المصلين، بعضهم كانوا يشاركون في نشاط ديني للأطفال، فيما كان آخرون يؤدون الصلاة. وإحدى الناجيات، وهي امرأة مسنّة خرجت بوجه مغبر وثوب ممزق، قالت والدموع تملأ عينيها:

“كنا نصلي… وفجأة سمعنا صوتاً رهيباً، ثم سقط السقف فوق رؤوسنا.” وقائمة الضحايا لا تزال تتضح، لكن الصور الأولى أظهرت مشاهد موجعة لأهالٍ يبحثون عن أحبائهم بين الحطام، والمسعفين يحملون الأطفال المصابين بوجوه مذهولة وملابس ملطخة بالدم.

رسائل من الرماد

رغم الحزن والدمار، توافد أهالي الدويلعة اليوم إلى محيط الكنيسة، يحملون الورود والشموع، ويصلّون من أجل أرواح الضحايا. بعضهم ساعد في رفع الأنقاض، وآخرون وقفوا في صمت تام، وكأنهم يقولون: “لن تنتصر الكراهية.” ومن بين المشاهد الأكثر تأثيراً، كانت صورة لطفلة صغيرة، تضع شمعة على مدخل الكنيسة المحطّم، وتهمس بدعاء لم يسمعه أحد، لكنها اختصر وجعاً بحجم وطن.

حين يُستهدف الإيمان

الاعتداء على دور العبادة ليس فقط جريمة ضد الأفراد، بل ضربة موجعة في قلب الإنسانية. فالمعبد أكان مسجداً أو كنيسة– هو ملاذ الإنسان من قسوة العالم، ولا ينبغي أن يُحوّل إلى ساحة حرب. وما حدث في دويلعة ليس مجرد مأساة محلية، بل رسالة عالمية يجب أن نرفضها جميعاً: أن لا مكان آمن في ظل العنف، وأن السلام لم يعد محصناً حتى داخل أقدس الأماكن.

خاتمة:

في دمشق، المدينة التي تحمل فوق أكتافها قروناً من الإيمان والتاريخ، وكان يوم الانفجار في الكنيسة بدويلعة يوماً من الحزن الصافي. ولن تُنسى وجوه من فُقدوا، ولا أصوات من صرخوا، ولا صدى الدعاء الذي ارتفع من تحت الركام. وربما لن تكون هناك عدالة كاملة، لكن ما يمكن أن يبقى هو الإصرار على الحياة، وعلى إيمان لا تقدر القنابل على تمزيقه.

سولين غزيم

صحفية سورية متخصصة فى الفن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى