“الأجر لا يُمنح لمن لا يلتزم”.. حرمان العامل من راتب الإجازة حال ثبوت عمله لدى الغير
أجر الإجازة في مهب الريح: القانون يُلزم بالولاء المهني"

في زمن تتسارع فيه التحديات الاقتصادية وتشتد فيه المنافسة بين المؤسسات، بات من الضروري إعادة ضبط معايير الالتزام المهني والشفافية في العلاقة بين صاحب العمل والعامل. من هذا المنطلق، أقر قانون العمل المصري بحرمان العامل من أجره خلال الإجازة إذا ثبت أنه عمل لدى جهة أخرى بدون تصريح مسبق من صاحب العمل.
الإجازة ليست “ملكية خاصة”.. والأجر مقابل الالتزام
تمنح الإجازات للعامل من أجل الراحة واستعادة النشاط، وهي حق قانوني مكفول. لكن، متى ما تحولت الإجازة إلى وسيلة للتحايل أو مصدر دخل مزدوج دون علم الجهة الأصلية، فذلك يخل بجوهر العلاقة التعاقدية.
بحسب المادة (49) من قانون العمل المصري رقم 12 لسنة 2003، “يُمنح العامل إجازة سنوية بأجر كامل لا يدخل فيها أيام العطلات الرسمية. ولا يجوز للعامل التنازل عنها”. لكن المادة (57) من القانون ذاته تُجيز لصاحب العمل حرمان العامل من أجر الإجازة حال ثبوت قيامه بعمل لدى الغير دون إذن.
رأي قانوني: الأمانة المهنية أساس الاستحقاق
يقول المستشار القانوني د. أشرف عبدالسلام، المتخصص في قوانين العمل:”أخذ العامل أجرًا عن إجازة استخدمها للعمل في مكان آخر دون إذن، يُعد إخلالًا بالأمانة ومخالفة صريحة للعقد المبرم بينه وبين جهة العمل، ما يعطي الأخيرة حق وقف صرف أجره، بل وفتح تحقيق إداري قد ينتهي بجزاء أو فصل”.
ويتابع:”الأمر لا يتعلق فقط بالحصول على أجر دون وجه حق، بل قد يحمل مخاطر تتعلق بالإفصاح عن أسرار العمل، أو التضارب في المصالح، خاصة إذا كان العمل لدى جهة منافسة”.
آراء متباينة بين الحقوق والواجبات
ورغم وضوح التشريع، إلا أن بعض العمال يرون أن وقت الإجازة ملكٌ لهم طالما لم تُستخدم في الإضرار بجهة عملهم، مؤكدين أن الدافع أحيانًا يكون لتحسين الدخل في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
لكن أصحاب الأعمال يشددون على أن الأجر يُدفع مقابل التفرغ، وأن الإجازة ليست وقتًا مفتوحًا للعمل لدى الغير دون إذن، وهو ما قد يضر بمصداقية وأداء المؤسسة.
متى يُسمح بالعمل لدى الغير؟
يشترط القانون، في حالة رغبة العامل في مزاولة أي نشاط أثناء الإجازة، أن يحصل على تصريح مكتوب أو إذن صريح من جهة عمله الأصلية، على أن يكون النشاط غير متعارض مع مصلحة العمل أو منافسًا له.
منظور ديني: الأمانة في العمل عبادة
وفي تعليق لأستاذ الفقه المقارن د. حسام الدين فوزي، يرى أ”الإخلاص في العمل جزء من الدين، والوفاء بالعقود واجب شرعي. فإذا كان العامل قد تعاقد على التفرغ لجهة معينة، فلا يجوز له أن يخون هذا الاتفاق بالعمل خفيةً لدى جهة أخرى، حتى وإن كانت ظروفه صعبة، إلا أن الرزق الحلال لا يُنال بالخداع”.
“الأجر ليس فقط مقابل العمل، بل مقابل الالتزام بالمسؤولية والأمانة المهنية”.
والحرمان من الأجر في هذه الحالة ليس عقوبة بقدر ما هو تصحيح لمسار غير عادل.
تبقى العلاقة بين العامل وصاحب العمل قائمة على الثقة والوضوح، وأي خرق لهذه الثقة يُهدد توازن المنظومة ويُفرغ القوانين من مضمونها.