تقارير التسلح

اليابان على أعتاب تحول استراتيجي.. نحو تحرير صادرات الأسلحة وتحديث السياسة الدفاعية

في خطوة تعكس تحولًا جوهريًا في العقيدة الدفاعية لليابان، أعلن وزير الدفاع شينجيرو كويزومي انفتاح بلاده على تخفيف القيود المفروضة على تصدير المعدات العسكرية إلى مناطق النزاعات، في مؤشر على استعداد طوكيو لإعادة النظر في نهجها التقليدي القائم على “الدفاع الذاتي فقط”. وأكد كويزومي أن تصدير المعدات الدفاعية لم يعد مجرد نشاط تجاري، بل أداة سياسية مهمة لتحسين البيئة الأمنية لليابان وتعزيز شبكة تحالفاتها في آسيا والمحيط الهادئ. وتأتي هذه الخطوة في ظل التوترات المتزايدة في بحر الصين الجنوبي وتصاعد النفوذ العسكري لبكين وبيونغ يانغ، ما يدفع اليابان إلى مراجعة مبادئها الثلاثة الخاصة بنقل المعدات والتكنولوجيا الدفاعية، التي التزمت بها منذ الحرب العالمية الثانية. ويرى مراقبون أن هذا التحول يمهد لتأسيس صناعة دفاعية أكثر استقلالية واستدامة تخدم المصالح الاستراتيجية لليابان على المدى البعيد.

اليابان تخفف قيود تصدير الأسلحة في تحول دفاعي يعزز حضورها الإقليمي.

اتفاق سياسي يُنهي عقودًا من القيود الدفاعية

 

توصل الحزبان الحاكمان، الحزب الليبرالي الديمقراطي “LDP” وحزب الابتكار الياباني “إيشين نو كاى”، إلى اتفاق يقضي بإلغاء نظام “الفئات الخمس غير القتالية” بحلول عام 2026، وهو النظام الذي كان يقصر تصدير المعدات الدفاعية على مجالات محددة تشمل الإنقاذ والنقل والإنذار والمراقبة وإزالة الألغام فقط. ويُعد هذا الاتفاق خطوة مفصلية في مسار التحول الدفاعي لليابان، إذ يتيح للحكومة مرونة أكبر في تطوير صادراتها العسكرية وتوسيع نطاقها الجغرافي والتقني. وجاء هذا التوافق بعد انسحاب حزب كوميتو، المعروف بموقفه المحافظ من المسائل العسكرية، من الائتلاف الحاكم، ما أزال العقبة السياسية الأبرز أمام تمرير هذه الإصلاحات. ويؤكد محللون أن غياب المعارضة الداخلية القوية سيمنح طوكيو قدرة غير مسبوقة على تنفيذ رؤية جديدة للدفاع الوطني، تستجيب للتغيرات الجيوسياسية المحيطة بها.

 

نحو إعادة تعريف السياسة الدفاعية اليابانية

 

ورغم أن القوانين الحالية تمنع تصدير الأسلحة إلى الدول المنخرطة في نزاعات مسلحة إلا في إطار عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، فإن تصريحات وزير الدفاع الياباني تشير بوضوح إلى نية الحكومة إعادة تعريف هذا الإطار القانوني بما يتماشى مع مصالحها الاستراتيجية والأمنية. وكشف كويزومي عن خطط لتطوير أنظمة دفع جديدة للغواصات اليابانية قد تعتمد على الطاقة النووية، وهو ما يعكس توجهًا متزايدًا نحو امتلاك قدرات ردع متقدمة. وتعمل الحكومة، بتوجيهات رئيسة الوزراء ساناي تاكايتشي، على تحديث وثائق السياسة الأمنية لتسريع برامج الإنفاق العسكري وخطط التسلح حتى عام 2027. ويرى مراقبون أن هذه التعديلات تهدف إلى ضمان جاهزية اليابان لمواجهة التحديات المتنامية في محيطها الإقليمي، وتعزيز مكانتها كقوة دفاعية فاعلة على الساحة الدولية.

 

تحرر من الماضي واستعداد لمرحلة جديدة

 

تدل المؤشرات كافة على أن اليابان تتجه نحو تجاوز القيود التاريخية التي كبّلت سياستها الدفاعية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، متجهة إلى دور أكثر انفتاحًا وفاعلية في النظام الأمني العالمي. ومع تسارع وتيرة تحديث الصناعات العسكرية واستعداد طوكيو لتوسيع صادراتها الدفاعية إلى شركائها، يبدو أن البلاد تخطو بثبات نحو إعادة تعريف مفهوم “الدفاع الذاتي” بما يتناسب مع واقعها الاستراتيجي الجديد. ويرى خبراء أن هذه التحركات ستمنح اليابان نفوذًا أكبر في إدارة ملفات الأمن الإقليمي، خاصة في مواجهة التحديات القادمة من الصين وكوريا الشمالية. كما تعكس هذه التطورات رغبة الحكومة اليابانية في بناء صناعة دفاعية مستدامة تضمن لها استقلالية القرار وقدرة أكبر على حماية مصالحها في منطقة مضطربة.

اقرأ أيضاً

تحالف تكنولوجي جديد في إسرائيل لتطوير دروع إلكترونية ضد تهديدات المسيّرات

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى