الوكالات

بوتين أضاع فرصته للهروب من كارثة أوكرانيا… والنتيجة سنوات من الحرب المستنزفة

بدلاً من اقتناص فرصة دبلوماسية ثمينة لوقف نزيف الحرب، يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسير بخطى ثابتة نحو سنوات طويلة من الصراع المدمر، مدفوعاً بالغرور السياسي وسوء تقديره لخصومه. فبعد أن تلقى عرضاً من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يضمن له مكاسب استراتيجية دون هزيمة صريحة، رفض بوتين التسوية، مفضلاً التمسك بشروط متطرفة تجعله أقرب للفشل المحتم من الانتصار الحاسم.

عرض أمريكي ضائع

 

مع فوز ترامب بولاية جديدة، هلّل الكرملين مبتهجاً بعودة زعيم أكثر مرونة تجاه موسكو. العرض الأمريكي لم يكن بلا مقابل: وقف إطلاق نار مقابل احتفاظ روسيا بمناطقها المحتلة، ومنع أوكرانيا من الانضمام إلى الناتو، ورفع تدريجي للعقوبات. لكنها تسوية لم تُرضِ طموحات بوتين، الذي اشترط مفاوضات موسعة حول “أسباب الحرب”، آملاً في فرض وصاية سياسية وعسكرية على كييف، تتجاوز ما عجز عن تحقيقه بالقوة.

حسابات خاطئة تقود إلى مأزق استراتيجي

 

رفض بوتين لهذا العرض أثار دهشة حتى بين بعض مقربيه. فبحسب المحلل الاستخباراتي السابق إريك سياراميلا، فإن بوتين “أفرط في الطمع واعتقد أنه قادر على تحقيق أكثر مما عُرض عليه”، لكنه الآن يواجه احتمالية الخروج صفر اليدين. وإذا انسحب ترامب من المفاوضات، فإن بوتين سيجد نفسه وحيداً في حرب مستعصية الحل، تتصاعد وحشيتها، دون تحقيق الأهداف الكبرى التي لطالما حلم بها.

حرب بلا نهاية تلوح في الأفق

 

بعد أكثر من ثلاث سنوات على بدء الغزو الشامل، لم يحقق بوتين حتى السيطرة الكاملة على دونيتسك، بينما ارتفعت خسائر الجيش الروسي لأرقام تفوق حصيلة كل حروب ما بعد الحرب العالمية الثانية. وعلى الرغم من استعادة روسيا لبعض الزخم العسكري، فإن أوكرانيا أثبتت قدرتها على الصمود، مدعومة بأوروبا، لعقود إن لزم الأمر. وكلما طالت الحرب، زاد اقتراب أوكرانيا من الغرب، في نقيض تام لما سعى إليه بوتين منذ البداية.

الكارثة الروسية الذاتية

 

ما تواجهه موسكو اليوم هو، ببساطة، نتيجة خيارات بوتين. فقد أثبتت الحرب أنها لم تخلق “أوكرانيا خاضعة”، بل عمّقت الهوة بين الشعبين، ورسّخت هوية وطنية أوكرانية تقف ضد روسيا بلا رجعة. الصحفية الروسية تاتيانا ستانوفايا، التي تراقب الكرملين عن كثب، تلخص الأمر بوضوح: “لا يوجد زعيم غربي – حتى ترامب – قادر على تقديم تسوية ترضي طموحات بوتين المتصلبة”.

عزيمة أوكرانيا تفوق حسابات بوتين

 

الخطأ الجوهري لبوتين هو تقليل شأن إرادة الأوكرانيين في المقاومة. فرغم تدمير البنية التحتية ومحاولات تفكيك منظومة الطاقة، لم تنكسر عزيمة كييف. لقد أصبح الشعب الأوكراني معتاداً على الحرب، متأهباً لصراع طويل، رافضاً منطق الإخضاع الذي يعرضه الكرملين. والاعتقاد بأن القصف المكثف سيُجبر الأوكرانيين على الاستسلام، يبدو بعيداً عن الواقع.

نحو سيناريو قاتم وطويل

 

اليوم، يبدو أن روسيا وأوكرانيا عالقتان في دوامة موت، تفتح الباب أمام سيناريو مرعب من حرب طويلة الأمد، بلا منتصر حاسم، بل بجثث وركام على الجانبين. وحده ترامب، إن قرر تغيير معادلة الكلفة والخسارة لبوتين، قد ينجح في إنهاء النزاع. أما إذا استمرت حسابات بوتين الخاطئة، فالصواريخ ستظل تحصد الأرواح، والحرب ستغرق أوروبا أكثر فأكثر في المجهول.

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. عمل في مؤسسات إعلامية محلية ودولية، وتولى إدارة محتوى في مواقع إخبارية مثل "أخباري24" والموقع الألماني "News Online"، وغيرهم, حيث قاد فرق التحرير وواكب التغيرات المتسارعة في المشهد الإعلامي العالمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى