الاقتصاد

تقرير خاص | العالم في دقائق “المصرى بالخارج: داعمٌ فى الأرقام… متّهمٌ فى العناوين!”

ملايين يعملون في الظل، وأخطاء فردية تكتب عنهم المشهد

 

رغم أن المصريين بالخارج يضخّون سنويًّا مليارات الدولارات في شرايين الاقتصاد المصرى، فإن حضورهم فى الإعلام غالبًا ما يُختزل فى حوادث فردية ووقائع سلبية.

بدلًا من تسليط الضوء على قصص النجاح، تتكرّس صورة «المغترب المتهم» لا «المغترب المكافح». فهل تكفى أخطاء قِلّة لتبرير التعميم على ملايين؟ وما الذى يُغيب النماذج الإيجابية عن التغطية؟ وهل تملك الدولة استراتيجية لحماية صورة مواطنيها بالخارج؟

شهادة مغترب بالسعودية 

يعمل شاب مصرى فى مهنة دهانات وتشطيبات المبانى منذ ثلاث سنوات فى السعودية. يصف تجربته قائلًا:

” اللى بيشتغل باليومية هنا مش دايمًا يلاقى شغل، وفى أيام بنعدّيها من غير ما نكسب قوتنا. وأى غلطة من شخص واحد بتبوّظ علينا صورتنا كلنا. مرة شفت تعليق من سعودى بيقول: “مشغّل مصرى؟ لأ، عشان ما يسرقنيش”. الكلام ده وجعنى”.

ويضيف: «الإعلام لما بيركّز على الجرائم والأخبار السلبية، بيتنسى اللى بيتعب ويشتغل بشرف، وده بيأثر علينا فى الشغل وفى نظرة الناس لينا. والأسوأ إنه لو مصرى اتحجز ظلم، مش بنلاقى محامى من بلدنا ولا تحرك رسمى واضح».

تحويلات قياسية وتجاهل رسمى

سجّلت تحويلات المصريين بالخارج 32.6 مليار دولار من مارس ٢٠٢٤ حتى فبراير ٢٠٢٥، بزيادة 72.4٪ عن العام السابق، متجاوزة إيرادات السياحة والاستثمار الأجنبى. ويقدَّر عدد المصريين بالخارج رسميًّا بـ١١.٠٩ مليون شخص بنهاية ٢٠٢٣، بينما ترجّح تقديرات خبراء تخطى الرقم ١٤ مليونًا منتصف ٢٠٢٥. ورغم هذا الدعم الاقتصادى الهائل، يشعر كثيرون بأن صورتهم الإعلامية لا تعكس مساهماتهم ولا يحصلون على حماية قانونية كافية عند الأزمات.

تشويه رقمى للصورة

يؤكد د. محمد سعودى، المتخصص فى الإعلام الرقمى، أن منصات التواصل الاجتماعى تفضّل المحتوى السلبى لأنه يحقق تفاعلًا أكبر:

 

«الخوارزميات تُضخّم الوقائع الفردية وتغفل قصص النجاح، فتترسخ صورة نمطية مشوهة عن المصريين بالخارج».

 

ويشير إلى أن بعض المواقع تنشر الأخبار بصياغات مثيرة بلا تحقق كاف، داعيًا إلى خطاب إعلامى متوازن يفرق بين الفردى والعام.

تحليل مهني | الصحفي أحمد سلطان يكشف كواليس تغطية الإعلام لقضايا المصريين بالخارج

 

قال الصحفي الباحث في الشؤون الإقليمية والدولية أحمد سلطان إن هناك أزمة حقيقية مع الإعلام المصري تحديدًا، مشيرًا إلى أن بعض المواقع والصحف المصرية، التي يُفترض أنها شبه رسمية، تقوم بترويج بعض الأخبار بطريقة معينة وبصياغة معينة تؤدي في النهاية إلى تشويه صورة المصريين وتعزيز الصورة السلبية الموجودة عند كثيرين من هؤلاء المصريين بالخارج.

وأضاف سلطان: «ليس هناك مهنية في التعاطي، ومؤخرًا شهدنا بعض المنصات أيضًا تابعة لدول إقليمية والتي تهتم بالشؤون المصرية ويديرها مصريون بالأساس، بدأت أيضًا تنتهج نفس النهج». ولفت إلى أن من أسباب ذلك ما يحدث من تنقلات في وسائل الإعلام واتباع بعض الأشخاص أو المحررين لفكرة البحث عن التريند ومحاولة جذب الترافيك وتشبيه الأمر بالدعاية، أو ما يسمونه بـ”شطشطة الأخبار” لجذب الانتباه، وهو ما أكد أنه دعاية وليست إعلامًا.

وتابع سلطان: «هذا الأمر له انعكاسات سلبية للغاية، ويساهم في سحق الشخصية المصرية أيضًا، ويخلق شعورًا عامًا بالدونية لدى المصريين، وشعورهم بأنهم من طينة أو طبقة أقل من غيرهم نتيجة كثرة تداول مثل هذه الأخبار». واعتبر أن هذا الأمر خاطئ تمامًا، مشددًا على أن الشعب المصري له حضارة وتاريخ، وله مساهمات منذ قديم الأزل، وأن من أهم الأدوات التي لدى مصر كدولة فكرة القوى الناعمة التي تعتمد على وجود كوادر نوعية في كل المجالات.

 

وأشار إلى أن غياب النماذج الإيجابية عن الجاليات المصرية في التغطيات الإعلامية ليس غيابًا وإنما تغييب، ولا تظهر هذه النماذج إلا في حالات نادرة. وقال إن هذا يساهم في خلق الصورة السلبية، داعيًا إلى وجود توازن في التعاطي الإعلامي، بحيث يتعامل مع الوقائع الفردية بقدرها، لا أن يعمم ولا أن يؤدي إلى تشويه صورة المصريين.

وأردف الصحفي أحمد سلطان: «كما قلت مسبقًا، غياب الاستراتيجية الحقيقية وغياب التعاطي المهني مع الحوادث التي يتورط فيها بعض المصريين أو ما إلى ذلك، يؤدي إلى هذه المشكلات التي أصبحنا نراها بوضوح حول صورة المصريين».

 

وأكد ضرورة أن يكون لدى الدولة المصرية استراتيجية لتحسين صورة المصريين بالخارج، موضحًا أن هذه الاستراتيجية يجب أن تكون متكاملة، وتشمل عملية تثقيف للمصريين وتعليمهم كثيرًا من الأمور والقيم التي غابت عنهم خلال الفترة الماضية أو يتم تغييبها، مشددًا على أن هذه الاستراتيجية حتمًا مهمة من أجل تحسين صورة المصريين بالخارج، خاصة في الفترة الحالية التي تسعى فيها الدولة إلى تصدير العمالة للخارج.

تصريح نبيلة مكرم (١٦ نوفمبر ٢٠٢٣)

 

فى برنامج «الشاهد» على قناة «إكسترا نيوز»، أكدت السفيرة نبيلة مكرم، وزيرة الهجرة السابقة:

«المصريون فى الخارج أدّوا دورًا مهمًّا لوطنهم… تواصل الدولة معهم لا يعكس فهمًا عميقًا لأهمية قيمتهم. المصرى بالخارج ليس رقمًا، بل تُعرف قيمته عندما تُمنح له الفرصة للتفاعل ويُعطى ما يستحقه من دعم وحماية».

 

وشددت على أن كرامة المغترب «خط أحمر»، داعية إلى توفير محامين، وآليات تواصل حقيقية، واستراتيجيات إعلامية تُظهر إنجازاتهم وترد على أى تشويه.

من القول إلى الفعل – خطوات مطلوبة

 

إنشاء وحدة استجابة قانونية سريعة داخل وزارة الهجرة للتدخل الفورى فى الأزمات.

دعم منصات إعلامية ناطقة باسم الجاليات لنشر قصص النجاح والرد على الشائعات.

تفعيل قنوات تواصل مباشرة بين السفارات والمواطنين وتحديثها دوريًّا.

إعداد برامج توعية قبل السفر حول الحقوق والواجبات، وأساسيات التعامل الإعلامى.

إشراك ممثلى الجاليات فى صياغة سياسات الهجرة والإعلام الخارجى.

عندما يشعر المصرى بالخارج أن دولته تدافع عنه، يصبح سفيرًا نافعًا لا عبئًا على صورته. تطبيق هذه الخطوات يحول كل مغترب إلى واجهة مشرّفة بدلًا من أن يكون ضحية تشويه جماعى لخطأ لم يرتكبه.

 

المصرى بالخارج ليس رقمًا فى الميزانية، بل شريك فى نهضة وطنه. إنصافه يبدأ بإعلام عادل ودولة حاضنة وسياسات تتحول من تصريحات إلى أفعال تعيد إليه مكانته وقيمته.

رجاء رضا

رجاء رضا بكالوريوس إعلام – جامعة القاهرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى