الصين تعفي البضائع الإفريقية من الرسوم الجمركية لتعزيز نفوذها الاقتصادي في القارة
في خطوة تعكس تصاعد الحضور الصيني في القارة الإفريقية، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينج خلال الاجتماع الـ32 لزعماء منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك)، استعداد بلاده لتقديم إعفاء كامل من الرسوم الجمركية للدول الإفريقية التي تربطها علاقات دبلوماسية مع بكين. هذا الإعلان يأتي امتدادًا لسياسة “الانفتاح المتبادل” التي تتبناها الصين منذ سنوات، ضمن رؤية أشمل لتعزيز حضورها في الأسواق النامية ومواجهة النفوذ الغربي في إفريقيا. ويرى مراقبون أن هذه المبادرة ليست مجرد خطوة اقتصادية، بل أداة دبلوماسية تهدف إلى توطيد العلاقات السياسية وتعزيز الثقة مع شركاء القارة السمراء. كما تسعى بكين من خلالها إلى توسيع تطبيق مبادرة الحزام والطريق عبر زيادة حركة السلع والاستثمارات بين الجانبين في مجالات البنية التحتية والطاقة والاتصالات.
شراكة جديدة تقوم على التنمية المتبادلة
أكد شي جين بينج أن بلاده تتطلع إلى توقيع اتفاقيات شراكة اقتصادية شاملة مع الدول الإفريقية، بما يضمن تحقيق تنمية مشتركة وتبادلًا أكثر توازنًا في المصالح. وشدد الرئيس الصيني على أن هذه السياسة لا تستهدف تحقيق مكاسب تجارية فقط، بل تسعى لإقامة نموذج جديد للتعاون الدولي القائم على العدالة والمنفعة المتبادلة. وأوضح أن الصين ستواصل دعم الدول الإفريقية الأقل نموًا من خلال تقديم تسهيلات تجارية وإعفاءات ضريبية، بما يساعدها على تعزيز صادراتها وتحقيق الاستقرار الاقتصادي الداخلي. وتُعد هذه الخطوة جزءًا من خطة أوسع لتقليل اعتماد إفريقيا على الأسواق الغربية، وإعادة رسم خريطة التجارة العالمية بما يعكس التوازنات الجديدة بين الشرق والجنوب العالمي.
«الحزام والطريق».. بوابة التحديث الإفريقي
أعلن الرئيس الصيني أن حكومته تعتزم العمل بشكل مكثف مع الدول الإفريقية لتنفيذ مشاريع ضمن مبادرة “الحزام والطريق”، التي أصبحت الركيزة الأساسية للسياسة الاقتصادية الصينية في الخارج. وتشمل هذه المشاريع تطوير البنية التحتية، وبناء الموانئ، وخطوط النقل، ومراكز الطاقة النظيفة، بهدف تعزيز التكامل الاقتصادي وتمكين القارة الإفريقية من الوصول إلى أسواق آسيا والمحيط الهادئ. كما تسعى الصين إلى تقديم خبراتها التكنولوجية لدعم الدول الإفريقية في جهود التحديث الصناعي والتحول الرقمي، وهو ما يُتوقع أن يسهم في خلق فرص عمل جديدة وتحفيز النمو الاقتصادي المستدام. ويرى محللون أن بكين تحاول من خلال ذلك تحويل إفريقيا إلى شريك استراتيجي طويل الأمد، وليس مجرد سوق للمنتجات الصينية.
تجارة مزدهرة رغم التحديات
وفقًا للإدارة العامة للجمارك الصينية، ارتفع حجم التبادل التجاري بين الصين والدول الإفريقية بنسبة 4.8% في عام 2024، ليصل إلى 259.56 مليار دولار أمريكي. وارتفعت الصادرات الصينية بنسبة 3.5% لتصل إلى 178.76 مليار دولار، بينما قفزت الواردات من إفريقيا بنسبة 6.9% لتبلغ 116.8 مليار دولار. هذه الأرقام تعكس نموًا مطردًا في العلاقات التجارية رغم التحديات التي فرضها تباطؤ الاقتصاد العالمي. ويشير خبراء إلى أن هذا التوسع يؤكد نجاح الصين في بناء شبكة تجارية مرنة، تعتمد على تنويع الشركاء وتقليل الاعتماد على الأسواق الغربية التقليدية. كما يبرز الدور المتزايد للدول الإفريقية كمصدر رئيسي للمواد الخام والطاقة، ما يجعلها ركيزة أساسية في الاستراتيجية الاقتصادية الصينية المستقبلية.
بين الاقتصاد والسياسة
يرى محللون أن الإعفاء الجمركي الذي أعلنته الصين لا يقتصر على تعزيز التبادل التجاري، بل يشكّل أداة دبلوماسية قوية لتوسيع نفوذها السياسي في القارة الإفريقية. فالخطوة تُسهم في تعزيز صورة بكين كشريك “غير استعماري”، يقدم حلولًا تنموية دون شروط سياسية، في وقت تراجع فيه الحضور الغربي في إفريقيا. كما تمثل هذه المبادرة جزءًا من سباق عالمي على النفوذ الاقتصادي، خاصة مع تصاعد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة في القارة الغنية بالموارد. وبينما يرى البعض في الخطوة “مكسبًا إفريقيًا”، يحذر آخرون من أن الاعتماد المفرط على السوق الصينية قد يخلق تبعية اقتصادية جديدة تقيّد استقلال القرار الإفريقي على المدى الطويل.



