زراعة كلى الخنازير في البشر.. خريطة مناعية يونيو 2025 تُغيّر قواعد اللعبة
في ظل نقص المتبرعين.. زراعة كلى الخنازير تخرج من الظلال وتجربة يونيو تبشّر ببديل آمن وقابل للحياة

هل تخيلت يومًا أن خلية من خنزير قد تصبح طوق نجاة لإنسان؟ في مشهد غير مسبوق بالطب الحديث، رسم علماء أمريكيون خريطة دقيقة لتفاعل الجهاز المناعي البشري مع كلية خنزير معدّلة وراثيًا، زُرعت داخل جسد بشري متوفى دماغيًا. هذه التجربة، التي نُشرت في يونيو 2025، وُصفت بأنها الأكثر نجاحًا وتأثيرًا في تاريخ هذا المجال، وفتحت الباب أمام احتمال حقيقي: أن تتحول كلى الخنازير إلى بديل قابل للزراعة خلال سنوات قليلة.
فما الذي تغيّر؟ ومن يقف خلف هذا الإنجاز؟ ولماذا يعتبره العلماء لحظة فاصلة في تاريخ الطب؟
أزمة عالمية.. وبديل غير متوقع
الأرقام صادمة: منظمة الصحة العالمية تؤكد أن شخصًا يموت كل عشر دقائق بسبب نقص الأعضاء. وفي ظل محدودية المتبرعين، لجأ الباحثون إلى خيار غير تقليدي: الخنازير، نظرًا لتشابه حجم أعضائها مع البشر وإمكانية تعديلها جينيًا.
من المحظور إلى الممكن.. كيف بدأت القصة؟
– تجربة جامعة نيويورك (NYU Langone) – سبتمبر 2021
في واحدة من أولى التجارب الجادة، قام فريق طبي بقيادة الدكتور روبرت مونتغومري في مركز لانغون الطبي بجامعة نيويورك بزرع كلية خنزير معدّلة وراثيًا في جسد امرأة متوفاة دماغيًا. التجربة لم تُنشر في مجلة علمية وقتها لكنها وُثّقت بتقرير رسمي من المركز.
التعديل الجيني الأبرز في الكلية المزروعة هو إزالة جين “alpha-gal”، وهو المسؤول عادة عن تحفيز رد مناعي شديد في جسم الإنسان. وقد راقب الفريق الطبي أداء الكلية لمدة يومين. النتيجة؟ الكلية بدأت في إنتاج البول وواصلت العمل دون أن يُسجل رفض مناعي فوري.
– تجربة جامعة ألاباما – يوليو 2023
في يوليو 2023، نشر باحثون من جامعة ألاباما في برمنغهام، بقيادة الدكتورة جايمي لوك، دراسة بعنوان: A 54-Hour Pig-to-Human Kidney Xenotransplantation Model Using a Brain-Dead Human Recipient، في مجلة JAMA Surgery.
قام الفريق بزراعة كلية خنزير معدّلة وراثيًا داخل جسد مريض متوفى دماغيًا، ثم راقبوا نشاطها على مدار 54 ساعة. المميز في هذه الدراسة أنها استخدمت تقنيات تصوير وتحليل دقيقة لقياس أداء الكلية لحظة بلحظة. خلال اليومين الأولين، أنتجت الكلية البول وبدأت بتنظيم المعادن والسوائل داخل الجسم.
لكن لاحقًا، بدأت مؤشرات مبكرة للرفض المناعي في الظهور، وهو ما جعل الباحثين يوصون بإعادة النظر في توقيتات التدخل الدوائي بعد الزراعة.
– أول زراعة ناجحة في مريض حي – مارس 2024
في مارس 2024، شهد العالم حدثًا طبيًا غير مسبوق: زراعة كلية خنزير معدلة وراثيًا في جسد مريض حي. العملية أجراها فريق في مستشفى ماساتشوستس العام، بقيادة الدكتور تاتسو كاواي، بالتعاون مع شركة eGenesis المتخصصة في تعديل الأعضاء وراثيًا.
الدراسة التي حملت عنوان: First-in-Human Transplantation of a Genetically Modified Pig Kidney into a Living Human Recipient، نُشرت لاحقًا ضمن حالة سريرية في مجلة NEJM Clinical Cases.
والجدير بالذكر ان الكلية المُستخدمة في هذه العملية خضعت لـ69 تعديلًا جينيًا، شملت إزالة الجينات المسببة للاستجابة المناعية، وكذلك تلك التي قد تنقل فيروسات من الخنازير للبشر. أُجريت العملية لمريض كان في حالة فشل كلوي حاد، وقد خرج من المستشفى بعد 14 يومًا بحالة جيدة. لاحقًا، تُوفي لأسباب صحية غير مرتبطة بالكلية المزروعة.
خريطة المناعة البشرية – التجربة الأنجح (يونيو 2025)
في يونيو 2025، نشرت مجلة Nature Communications دراسة وصفت بأنها الأكثر شمولًا ونجاحًا في هذا المجال حتى الآن. الدراسة التي حملت عنوان: Spatiotemporal Immune Atlas of a Clinical-Grade Gene-Edited Pig-to-Human Kidney Xenotransplant، قادها فريق من NYU Langone بالتعاون مع مركز Human Immune Monitoring.
اعتمد الباحثون على تقنيات تحليل متقدمة، أبرزها تحليل الخلايا المفردة (Single-cell RNA sequencing) والتحليل المكاني (Spatial transcriptomics)، لرصد التفاعل المناعي البشري تجاه كلية خنزير معدّلة زرعت في جسد متوفى دماغيًا.
خلال أول 12 ساعة، بدأت خلايا البلاعم المناعية (macrophages) في التفاعل، تلتها الخلايا التائية والخلايا القاتلة الطبيعية خلال 24 إلى 48 ساعة. لم تُرصد أي علامات على رفض مناعي حاد خلال الأيام الأولى.
ما يجعل هذه الدراسة الأهم هو أنها قدمت لأول مرة خريطة زمنية مكانية دقيقة للاستجابة المناعية البشرية، وهو ما يمكن أن يُستخدم لاحقًا لتطوير بروتوكولات أدوية مخصصة لكل مرحلة.
توقعات المستقبل.. وتحليل هارفارد
في تقرير صادر عن مركز ابتكار نظم الرعاية الصحية بجامعة هارفارد في يونيو 2025، بعنوان: Xenotransplantation and Organ Shortages: Forecasting the Impact of Pig Organ Integration into Clinical Practice، توقّع الباحثون أن تُسهم زراعة أعضاء الخنازير في تقليص قوائم الانتظار بنسبة 70–75% خلال العقد القادم.
التحديات والعقبات التي لم تُحل بعد
لا تزال هناك مخاوف من الرفض المناعي طويل الأجل منها إمكانية نقل فيروسات كامنة من الخنازير إلى البشر ، ولم تُحسم ايضا غياب تشريعات موحدة عالميًا لتنظيم زراعة الأعضاء الحيوانية وحساسيات دينية وثقافية تحتاج إلى حوار موسّع
زراعة كلى الخنازير لم تعد تجربة خيالية أو بديلًا بعيدًا. نحن أمام تحول طبي حقيقي قد يغيّر حياة ملايين المرضى. وما أثبتته تجربة يونيو 2025 لا يترك مجالًا للشك: التقنية تنضج بسرعة، والعقبة الوحيدة المتبقية الآن هي ضمان الأمان طويل الأمد وهذه ليست نهاية الطريق بل بدايته.