الذكاء الاصطناعي والطاقة النووية يعيدان رسم خريطة الطاقة العالمية
من منتدى الأطلسي: كيف يعيد التقدم التكنولوجي والتحولات السياسية صياغة أمن الطاقة في العالم؟

في ظل التحولات السياسية العميقة والتطورات التكنولوجية المتسارعة، شهد منتدى الطاقة العالمي التاسع لمجلس الأطلسي لحظة فاصلة، حيث لم تعد القضايا التقليدية كافية لفهم مشهد الطاقة العالمي. المشاركون ركزوا على ثلاثية جديدة تُعيد تعريف المعادلة: الذكاء الاصطناعي، الطاقة النووية، والتعاون الجيوسياسي.
الذكاء الاصطناعي: مفترس جديد للطاقة
أكد المتحدثون في المنتدى أن الذكاء الاصطناعي خرج من عباءة “التقنية الفاخرة” ليصبح واحداً من أبرز محركات الطلب العالمي على الكهرباء. فتطبيقاته، من الحوسبة المتقدمة إلى مراكز البيانات الضخمة، تتطلب كميات هائلة من الطاقة. و”الذكاء الاصطناعي يستهلك الطاقة كما يستهلك البشر الطعام”، كما وصفه أحد المشاركين.
التقديرات الأميركية تشير إلى حاجة البلاد بين 40 و100 غيغاواط إضافية لتلبية الطلب المرتبط بـAI فقط، ما يكشف عن ثغرة في البنية التحتية الحالية ويستدعي ثورة في بناء الشبكات الذكية والاستثمار في الطاقة المستدامة.
عنق الزجاجة: التكنولوجيا تتقدم، والطاقة تتباطأ
بينما تتقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي بسرعة مذهلة، تسير مشاريع الطاقة بوتيرة أبطأ. هذا التناقض يشكل تحدياً لصنّاع السياسات، الذين باتوا بحاجة إلى إصلاح شامل يشمل:
تسهيلات تمويلية لمراكز البيانات.
إصلاحات تنظيمية للقطاع.
حوافز للاستثمار في شبكات الكهرباء وتقنيات الطاقة النظيفة.
ويرى بعض المشاركين أن التقديرات الحالية قد تقلل من حجم التحدي، خاصة مع انخفاض تكاليف تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي، مما سيؤدي إلى استخدام أوسع وزيادة غير مسبوقة في استهلاك الطاقة.
تحول المصطلحات: من “صفر انبعاثات” إلى “نمو صافي”
المفاهيم التي حكمت سياسات الطاقة والبيئة مثل “الحياد الكربوني” و”صفر انبعاثات” لم تعد ثابتة. اختلفت التعريفات بين الدول والمنظمات، ما فتح الباب أمام مرونة زائدة قد تُضعف الالتزام الفعلي.
السعودية بدأت بتوسيع استثماراتها في الطاقة المتجددة.
الولايات المتحدة، خاصة في عهد ترامب، وضعت الطاقة النووية في مركز استراتيجيتها. وهذا التغير يؤكد أن التنمية الاقتصادية لا يمكن فصلها عن زيادة كبيرة في القدرة الكهربائية، لا سيما في الدول النامية.
التحالفات عبر الأطلسي: من القيم إلى المصالح
رغم الخطاب القومي لإدارة “أمريكا أولاً”، أظهر المنتدى أن العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا لا تزال قائمة على أرضية مشتركة قوية. إلا أن الأولويات تغيرت:
أوروبا بحاجة إلى الغاز الطبيعي المسال من أمريكا.
أمريكا تسعى لشراكة في مشاريع الطاقة والدفاع والبنية التحتية.
التعاون المستقبلي سيكون مبنياً أكثر على المصالح المتبادلة، بدلاً من مجرد القيم المشتركة.
النووي يعود إلى الواجهة بقوة
من أكبر مفاجآت المنتدى كانت عودة الطاقة النووية كمكون محوري في الاستراتيجية العالمية للطاقة:
البنك الدولي رفع الحظر عن تمويل مشاريع نووية في الدول النامية.
الرئيس الأمريكي أصدر أربعة أوامر تنفيذية لدعم الصناعة النووية.
في الولايات المتحدة، يجري العمل على ربط الأوامر التنفيذية بسياسات وزارة الطاقة لتسريع التصدير ونقل التكنولوجيا. أما في الدول النامية، فالتحدي يكمن في غياب التنسيق المؤسسي، ما يعوق إنشاء منظومات نووية متكاملة.
الطاقة كمفهوم سيادي: لحظة تحول عالمي؟
خلص المنتدى إلى أن العالم أمام تحول لا رجعة فيه في النظرة إلى الطاقة. لم تعد مجرد خدمة استهلاكية، بل أصبحت عنصراً استراتيجياً في السيادة الوطنية والتنمية الاقتصادية. ومن الذكاء الاصطناعي إلى النووي، ومن بنية الشبكات إلى الشراكات الجيوسياسية، يتضح أن عالم ما بعد 2023 مختلف جذرياً عن السابق.