في ظل انشغال ترامب بحربه التجارية.. الصين والبرازيل يقتربان أكثر
لولا يدعم النظام العالمي متعدد الأقطاب.. وبكين تعزز نفوذها في أمريكا اللاتينية

لم يُعرف عن الرئيس الصيني شي جين بينغ أنه كثير العناق أو التعبير العلني عن الود، لكنه خرج عن المألوف عندما احتضن نظيره البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا خلال زيارته الأخيرة لبكين. كان ذلك إشارة رمزية إلى دفء العلاقات المتنامية بين البلدين، في وقت تشتد فيه المنافسة الجيوسياسية بين الصين والولايات المتحدة.
دعم برازيلي لرؤية صينية للنظام العالمي
في كلمته أمام منتدى الصين–أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي (CELAC)، تبنّى لولا خطابًا منسجمًا مع الطرح الصيني، منتقدًا التعريفات الأمريكية ومشدّدًا على ضرورة بناء نظام عالمي “متعدد الأقطاب” يعكس مصالح دول الجنوب. وهي نغمة تتوافق مع السردية التي تروج لها بكين منذ سنوات، في محاولة لحشد دعم دول الجنوب العالمي في وجه السياسات الأمريكية.

استقبال رسمي ورسائل رمزية
زيارة لولا لم تكن زيارة عادية؛ فقد استقبلته الصين بعرض عسكري في ساحة تيانانمن وإطلاق 21 طلقة تحية، في مشهد يعبّر عن أهمية الزعيم البرازيلي لدى بكين. وقد حرصت الأخيرة على استقطاب قادة دول ذات وزن إقليمي مثل البرازيل وتشيلي وكولومبيا، لتوسيع دائرة نفوذها في أمريكا اللاتينية بعيدًا عن شركائها التقليديين كفنزويلا وكوبا.
شراكة اقتصادية تتوسع بسرعة
العلاقات التجارية بين الصين والبرازيل بلغت ذروتها العام الماضي، حيث بلغ حجم التبادل التجاري 157.5 مليار دولار. تستورد الصين أكثر من 70% من احتياجاتها من فول الصويا من البرازيل، بينما تراجعت وارداتها من المزارعين الأمريكيين. كما أعلنت سلسلة “لوكين كوفي” الصينية عن صفقة ضخمة لشراء 240 ألف طن من البن البرازيلي بقيمة 1.38 مليار دولار.

20 اتفاقية جديدة واستثمارات بمليارات الدولارات
خلال الزيارة، أعلن البلدان عن حزمة استثمارات صينية في البرازيل بقيمة 4.5 مليار دولار، ووقّعا 20 اتفاقية تشمل قطاعات الزراعة، والطاقة النووية، والتعدين، وتبادل العملات. وفي كلمة ألقاها لولا أمام رجال الأعمال، قال: “إذا كان القرار يعود لحكومتي، فإن علاقتنا مع الصين ستكون غير قابلة للكسر”.
موقع برازيلي حساس بين واشنطن وبكين
رغم تقاربها المتزايد مع الصين، لم توقع البرازيل بعد على مبادرة “الحزام والطريق” الصينية. وقد شدّد لولا خلال زيارته على أن “أمريكا اللاتينية لا تريد أن تكون ساحة لصراعات الهيمنة”، في إشارة إلى رغبة بلاده في الحفاظ على توازن بين القوى الكبرى دون الانحياز الكامل لأي منها.
شراكة دبلوماسية تتشكّل تدريجيًا
التقارب الصيني–البرازيلي لم يقتصر على الاقتصاد فقط، بل تمدد إلى القضايا الدولية. بعد هجمات 7 أكتوبر في إسرائيل، تقدمت البرازيل – كرئيسة لمجلس الأمن – بمشروع قرار يدعو لوقف إنساني وإدانة حماس، ففاجأت الصين الجميع بدعمها للقرار بعد مشاورات دبلوماسية مطوّلة مع البرازيل، رغم أنها كانت قد امتنعت سابقًا عن إدانة الهجوم.
توافق في ملف أوكرانيا.. ومرور عبر موسكو
كجزء من محاولاتهما لتقديم نفسيهما كوسطاء في النزاعات الدولية، أصدرت الصين والبرازيل بيانين مشتركين بشأن الحرب في أوكرانيا، دون أن يذكرا الغزو الروسي بالاسم. وفي طريقه من بكين، مر لولا عبر موسكو، وتحدث مع “صديق شي المقرّب”، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
رؤية مشتركة: التعددية لا الهيمنة
يبدو أن الصين والبرازيل تتشاركان رؤية جديدة للعالم، تقوم على التعددية واحترام السيادة، وهي رؤية تتعارض مع النهج الأمريكي الأحادي الذي تمثله إدارة ترامب، خاصة في ظل تصاعد الحروب التجارية. وفي هذا السياق، تلعب البرازيل دورًا محوريًا كدولة ذات ثقل إقليمي وجسر محتمل بين الشمال والجنوب.