الوكالات

دول الخليج تسرّع تصدير النفط وسط تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران: هل تلوح أزمة طاقة عالمية في الأفق؟

تتحرك دول الخليج المنتجة للنفط بسرعة لدرء تداعيات محتملة قد تعصف بـ إمدادات الطاقة العالمية

مع تصاعد المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران، تتحرك دول الخليج المنتجة للنفط بسرعة لدرء تداعيات محتملة قد تعصف

بـ إمدادات الطاقة العالمية. فالصراع المتصاعد، الذي لا يزال حتى الآن بعيدًا عن منشآت التصدير الكبرى، يفرض سيناريوهات

غير مأمونة العواقب على واحدة من أكثر المناطق حيوية في سوق الطاقة العالمية.

في قلب هذا القلق، يتزايد الحديث عن مضيق هرمز، الممر البحري الاستراتيجي الذي تمر عبره نحو ثلث شحنات النفط الخام

والغاز المسال عالميًا. وبينما يشتعل الشرق الأوسط سياسياً وعسكرياً، تُفضّل الدول المنتجة للنفط، مثل السعودية والإمارات

والعراق، أن تخرج نفطها من الخليج في أسرع وقت ممكن، ولو بـ تكاليف مرتفعة ومخاطر محسوبة، خشية أن تغلق نافذة

التصدير فجأة.

صادرات نفطية قياسية: سباق الخليج مع الزمن لتأمين الإمدادات

تشير بيانات شركة “كبلر” المتخصصة في تتبع شحنات الطاقة إلى أن السعودية رفعت صادراتها النفطية بنسبة 16% خلال

النصف الأول من يونيو مقارنة بالشهر السابق. وفي خطوة مشابهة، زادت الإمارات والعراق صادراتهما بنسبة تقارب 10%. هذه

الزيادة المفاجئة في الإمدادات النفطية تأتي كـ استجابة وقائية لاحتمال إغلاق مضيق هرمز أو تعرض البنية التحتية للطاقة

لهجمات مباشرة. يعكس هذا التحرك الاستراتيجي رغبة دول الخليج في تأمين تدفق النفط العالمي قبل أي تصعيد محتمل.

المخاوف الأمنية: الأولوية تفوق التكاليف الاقتصادية في شحن النفط

ورغم ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين البحري، لا تُبدي الدول المنتجة ترددًا في تصعيد وتيرة التصدير. فقد ارتفعت تكلفة

التأمين ضد مخاطر الحرب على الناقلات العابرة للخليج بنسبة 60% منذ بداية التصعيد، بحسب ماركوس بيكر، المسؤول في

شركة “مارش ماكلينان”. ويبدو أن مبدأ “الخروج الآن أفضل من الندم لاحقًا” بات يحكم قرار تصدير النفط الخليجي، مؤكداً أن

تأمين الإمدادات يتجاوز الاعتبارات الاقتصادية البحتة في هذه الظروف الحرجة.

مضيق هرمز: نقطة اختناق الطاقة العالمية في عين العاصفة المحتملة

يمر نحو 20 مليون برميل من النفط يوميًا عبر مضيق هرمز، ما يجعله نقطة اختناق رئيسية في سوق الطاقة العالمية. وبينما

لم تُسجّل حتى اللحظة أي حوادث بحرية مدمّرة، إلا أن التوترات الجيوسياسية المتصاعدة تثير المخاوف من تحول المضيق

إلى ساحة مواجهة عسكرية مباشرة، لا سيما إذا قررت إيران الرد على إسرائيل أو الولايات المتحدة عبر إغلاق الممر المائي

الحيوي. هذا السيناريو قد يؤدي إلى أزمة طاقة عالمية غير مسبوقة.

إيران تتحدى العقوبات: استمرار صادرات النفط نحو الصين

بشكل لافت، ورغم الهجمات الإسرائيلية والعقوبات الأميركية، تشير بيانات “كبلر” إلى أن إيران نجحت مؤخرًا في رفع صادراتها

النفطية بشكل طفيف. هذه الصادرات تذهب بمعظمها إلى الصين، عبر شبكة من الناقلات التي لا تُسجّل في أنظمة التتبع

الرسمية. وهو ما يعكس إصرار طهران على استمرار تدفق مواردها النفطية رغم الخناق الدولي، ويبرز قدرتها على الالتفاف

حول القيود المفروضة.

الصين المستفيد الأكبر: تدفق النفط الخليجي لتعزيز الموقف التجاري الآسيوي

تمثل الصين المستورد الأكبر لنفط الشرق الأوسط، وتستفيد حاليًا من وفرة معروضة رغم التوترات. وتسعى الدول الخليجية

لضمان بقاء تدفق النفط نحو الأسواق الآسيوية مستمرًا، لتعزيز موقفها التجاري في حال تعرضت سلاسل الإمداد لموجات

اضطراب أكبر. هذه السياسة تمنح المنتجين هامشًا من المرونة في حال طرأت مفاجآت في الأسابيع المقبلة، وتعزز استقرار

سوق الطاقة الآسيوية.

التشويش الإلكتروني: تهديد جديد يُربك حركة الناقلات في الخليج

إلى جانب المخاطر التقليدية، أفادت تقارير عن تعرض أنظمة الملاحة عبر الأقمار الصناعية في بعض الناقلات لـ تشويش

متعمد. هذا النوع من الهجمات السيبرانية يُعد بالغ الخطورة، لأنه قد يؤدي إلى ظهور السفن في مواقع وهمية على أنظمة

التتبع، مما يعرّضها لـ حوادث تصادم أو يجعل من الصعب حمايتها في حال الطوارئ. هذا التهديد يضيف طبقة جديدة من التعقيد

لـ عمليات الشحن البحري في الخليج.

العنصر البشري: تأثير الاضطراب على أطقم السفن وسلامتهم

الحديث لا يقتصر على النفط والمال، بل يمتد إلى العنصر البشري. فقد أشار بيكر إلى تزايد المخاوف المتعلقة بصحة وسلامة

أطقم السفن العاملة في الخليج، في ظل التوترات والحوادث المتكررة في السنوات الأخيرة، بدءًا من الجائحة وصولاً إلى

التهديدات البحرية المستجدة. وأصبحت مسألة “رفاهية الطواقم” بندًا رئيسيًا في حسابات شركات الشحن، مما يسلط الضوء

على الأبعاد الإنسانية للأزمة.

أسواق النفط العالمية: تذبذبات بين الخوف والترقب

ارتفعت أسعار خام برنت بنسبة 10% بعد التصعيد في 13 يونيو، لكنها تراجعت 3% لاحقًا إلى نحو 76 دولارًا للبرميل عقب

إعلان الرئيس ترامب تأجيل قراره بشأن التدخل الأميركي المباشر. هذه التذبذبات تعكس حالة من اللايقين في السوق

العالمية للنفط، حيث يراقب المستثمرون والمتعاملون كل صاروخ وكل تصريح، مما يؤكد حساسية أسعار النفط للتطورات

الجيوسياسية.

 النفط تحت ضغط السياسة الجيوسياسية

في المحصلة، تبرز هذه التطورات كمؤشر صارخ على هشاشة سوق الطاقة العالمية في مواجهة الأزمات الجيوسياسية. فكل

برميل يُحمّل على ناقلة في الخليج اليوم، يُعتبر خطوة استباقية في صراع لم تتضح نهايته بعد. وبين انتظار القرار الأميركي

وخشية الرد الإيراني، تتحول شحنات النفط إلى رهائن معلّقة بين احتمالات السلام والانفجار الشامل.

 

إيمان زريقات

إيمان زريقات صحفية سورية متخصصة في القسم الخارجي وتغطية وكالات الأنباء العالمية، ولها خبرة واسعة في متابعة الأخبار الدولية وتقديم تقارير دقيقة وشاملة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى